جاري التحميل

شفيق المعلوف

الأعلام

شفيق المعلوف([1])
(1905م)

مولده ونشأته: هو الشاعر العبقري، النجل الثاني للعلامة المرحوم عيسى إسكندر معلوف، ولد في زحلة يوم 31 آذار سنة 1905م وتلقى دراسته في كلية زحلة الشرقية، وقبل نزوحه إلى البرازيل دخل معترك الصحافة، فتولى رئاسة تحرير جريدة (ألف باء) الدمشقية زمن حياة صاحبها المرحوم الأستاذ يوسف العيسى، وكان يوقع مقالاته بإمضاء مستعار تارة (أحدهم) وطوراً (فتى غسان) وهو الذي ابتدع في الجريدة المذكورة زاوية (مباءة نحل) وهي الزاوية الانتقادية الشهيرة التي لا تزال فيها حتى الآن.

هجرته: نزح إلى البرازيل ملتحقاً بأخيه الشاعر العبقري الخالد المرحوم فوزي، وخاله الشاعر المجيد المرحوم ميشال المعلوف، وتعاطى الأعمال التجارية فكان مثالاً حيًّا للنشاط والصدق والأمانة في الحقل التجاري، وتوصل بفضل كفاحه واستقامته إلى الثراء الحلال.

آثاره الأدبية: لقد نشأ هذا الشاعر الملهم في كنف والده العلامة، وورث عنه النبوغ الفطري، وهو شاعر من الطراز الأول، يستمد من الطبيعة صوراً شعرية جميلة، ويطلق قوافيه حرة صافية، ويعبر عن دقائق العواطف بلغة جليلة مستحبة وأسلوب رائع، وهو رئيس العصبة الأندلسية في سان باولو البرازيل التي أسسها خاله المرحوم الشاعر ميشال المعلوف فضمت شعراء المهجر.

مؤلفاته: أصدر 1 ـ عبقر، طبع مرتين، وقد نقده الفيلسوف المرحوم أمين الريحاني سنة 1927م، وأظهر في بعض قصائده التنافر في الوصف، فقال ما نصه: فتحت كتاب (عبقر) وأنا أتصور فيه الخير الأكبر الأصفى، أو أتأمل أن يكون في الأقل حاملاً لبني آدم الذين يجتازون في هذا الزمان أشد وأظلم العقبات المفجعة شيئاً من نور العطف والأمل، وأشياء مواسية منعشة من وراء سجـوف الغيـب، فكـان غيـر ما تصورت، وغير ما أملت، وأردف الناقد قوله: ولا تظن أن هذه الحال النفسية حالت دون تقديري محاسن شعرك واستيطابي إنتاج عبقريتك، وقد أجاب صاحب عبقر الريحاني وناقش نقده فقال: (لقد جاز لي أن أجاذبك الرأي فيما كتبته لا حبًّا مني للجدل، بل طمعاً بالاستزادة من ترشف معين حكمتك، والاستفادة بجليل آرائك، وآمل أن لا تعد مصارحتي تحاملاً مني على رأيك ـ وقد يكون فيه كل الهداية والخير ـ وما دبجه قلمك النزيه، وهو جواب مرض فيه أروع معاني النبل.

2 ـ الأحلام وهي ملحمة شعرية فلسفية نظمها سنة 1926م. 3 ـ لكل زهرة عبير، من الشعر الوجداني، طبعه سنة 1951م. 4 ـ نداء المجاذيف من شعر الحنين والشعر الوطني، طبعه عام 1953م. 5 ـوألف عبقر باللغة البرتغالية، وقد ترجمها أحد شعراء البرازيل.

أما دواوين شعره المعدة للطبع فهي:

6 ـ عبقر باللغة الإسبانية، وقد ترجمها أمير شعراء الإسبان فرنسيسكو ميلاسياسا. 7 ـ مجامر الصندل، وهو شعر. 8 ـ شموع في الضباب. 9 ـ على سندان الخليل، وهو شعر ونثر. 10 ـ ستائر الهودج، وهو شعر منثور. 11 ـليلى الأخيلية وهي مسرحية شعرية ونثرية.

شعره: وإذا أسعد القارئ الحظ وتصفح ديوانه (لكل زهرة عبير) يجد في مطاويه قصائد رائعة يعجز اللسان ويقصر البيان عن الإحاطة بما يحويه من بدائع، وفي قصيدته (الأم) الدليل الحي الواضح على عبقريته الشعرية الخالدة قال:

شراع مد فوق الموج عنقا

وراح يرود خلف الأفق أفقا

يقل فتى تبدى الشط جهما

له فأشاح عنه الوجه طلقا

وغادر عند صخر الشط أمّا

تذوب إليه تحناناً وشوقا

فما نضبت لمقلتها دموع

كأن لعينها في البحر عرقا

وهل قنعت بما يجنيه أم

أبت إلاه عند الله رزقا

ترى هل آب من سفر شراع

ولم تشبعه تقبيلاً ونشقا

وهل أشفى على الترحال إلا

رأيت فماً على الكتان ملقى

إلى أذن الشراع يبث شيئاً

ويعهد للرياح بما تبقى

وتعد قصيدة (خرائب بعلبك) خريدة فريدة، وقد أجمع النقاد على أنها أحسن وصف جادت به قريحة شاعر، نقتطف منها بعض أبياتها:

ربضت على صدر الزمان وأوثقت

كلتا يديه فحار كيف ينالها

وطأت جبابرها الركام كأنما

داست على هام الزوال نعالها

عُمد تصعد ناظريك بشمها

فيرد عنها ناظريك جلالها

وتحار هل هي في الثرى أم أنها

علقت بناصية الفضاء طوالها

في صخرها تحيا النسور كأنها

منحوتة من صمته آجالها

وتطل من رجم الطلول أسودها

فكأنما رجم الطلول دحا لها

وفي ديوانه نفحات إنسانية تدل على سمو أخلاق هذا الشاعر العبقري ونبله، وفي قصيدته (بسمة) كان داعية للخير قال:

كن بسمة بفم الضعيف ولا تزد

بالله أتراحاً على أتراحه

ما ضر أن يحظى أخوك بحقه

فترى فلاحك ناجزاً بفلاحه

أنحقُّ بطلان الوجود ولا نرى

أشباحه تحنو على أشباحه

ضرب الشعوب قويّها بضعيفها

كالطير تذبحه بريش جناحه

وليت أمين الريحاني فيلسوف الفريكة حيًّا ليقرأ ما طواه ديوانه الوجداني (لكل زهرة عبير)، ليرى رأيه في روائع هذا الشاعر الملهم.

ولما احتفلت لبنان وسان باولو في يوم واحد بإزاحة الستار عن تمثال شقيقه العبقري المرحوم فوزي، خاطب النصب بهذه الأبيات، وهي تعبر عن مدى أساه:

فوزي، وما لي في الخطوب يدان

ما هكذا الإخوان يلتقيان

قربت صدري للعناق فلم أقع

إلا على قطع من الصوان

نصب خفضت له الجفون كأنما

نصبت حجارته على أجفاني

وسيظل هذا البيان المشرع العذب النمير ينهل منه بنو العروبة ما قدرت للعربية في هذه الدنيا حياة.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 292 ـ 294).

الأعلام