جاري التحميل

شكيب أرسلان

الأعلام

شكيب أرسلان([1])

الأمير شكيب أرسلان

(1869 ـ 1946م)

مولده: ولد في الشويفات سنة 1869م ونشأ مع أخيه الأمير نسيب كما بينا ذلك في ترجمته، ودخل في خدمة الحكومة وأشغل مناصب إدارية.

رحلاته: وفي سنة 1890م قدم مصر لأول مرة، وفي سنة 1892م سافر إلى باريز مستشفياً واجتمع لأول مرة بالشاعر أحمد شوقي، وفي سنة 1926م التقى وإياه في باريز أيضاً وتوثقت عرى المودة بينهما، والأمير هو الذي أطلق على أحمد شوقي بك أمير الشعراء بقوله في آخر قصيدة له ألقاها في الحفلة التي أقامها الأدباء السوريون ووجهاؤهم بمصر للمرحوم حافظ إبراهيم شاعر النيل قال يخاطبه:

فأنت أمير النثر غير منازع

وأنت أمير الشعر من بعد أحمد

وبقي الأمير في سويسرة عدة سنوات كان يتقاضى خلالها (30) جنيهاً في الشهر من خديوي مصر لتأمين إعاشته.

وذهب إلى برقة في طرابلس الغرب وبقي ثمانية أشهر.

في مصر: كان الأمير من مريدي الأستاذ الإمام محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني، وهو من أشهر كتاب سوريا وأدبائها، ولا ندَّ له في مجموع مزاياه كجولان قلمه في جميع ميادين المنظوم والمنثور، والوقوف على دقائق السياسة وشؤون الاجتماع والعمران وفصاحة اللسان في الخطابة والمناظرة، وله في الكتابة السياسية والاجتماعية أسلوب خاص يشبه أسلوب الحكيم ابن خلدون.

سياسته: كانت سياسته الوطنية السورية محصورة في وجوب الإخلاص للدولة العثمانية مهما يكن حال سلطانها ورجالها في إدارتها وسياستها، لاعتقاده أنه إذا زالت سيادة الدولة عن وطنه الخاص (لبنان) وسائر سورية وسقط تحت سلطة دولة أجنبية فإنه يذل ويخزى، وكان له خصوم كثيرون في سياسته هذه أكثرهم من نصارى الجبل المشايعين لبعض الدول الأوربية، ومبغضون آخرون لا مثير لبغضهم إلا الحسد، أو التعصب الديني أو المذهبي.

وقد كان الكثيرون من الناس يزعمون أنه ليس له مبدأ أو مذهب في السياسة ثابت، وإنما يدهن للدولة ولكبراء رجالها لأجل المنفعة، وأكثر هؤلاء منحساده أو مخالفيه في مذهبه السياسي، وبعضهم ممن كان ينكرون عليه مشايعته للحميديين في عهد السلطان عبد الحميد الذي كان يطريه بالنظم والنثر، ثم مشايعته للاتحاديين عندما صاروا في الدولة أصحاب النهي والأمر، ولم يكن من طلاب الإصلاح للدولة في جملتها ولا لبلاده السورية أو العربية في خاصتها.

لقد كان سيئ الظن بحزب اللامركزية العثماني، ويشايع جمال باشا السفاح في سياسته الطورانية، واتهمه البعض بأنه كان من العاملين على تجويع النصارى في لبنان خلال الحرب العالمية الأولى، وقد كذب هذه التهمة غبطة البطريرك المرحوم حريكة.

مؤلفاته: ألف: 1 ـ ديوان شعر دعاه (باكورة). وهو باكورة نظمه من سن الرابعة عشرة إلى السابعة عشرة، وقد أهداه إلى الإمام الشيخ محمد عبده وأكثره مدح ورثاء.  2 ـ تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط.3 ـ الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية، والجزء الأول مؤلفبثلاثة أجزاء. 4 ـ لماذا تأخر المسلمون. 5 ـ المختار من رسائل أبي إسحاق إبراهيم ابن هلال بن زهرون الصابئ. 6 ـ المدائح السنية في شمائل الذات الحميدية طبع سنة 1895م، وكله تبريك في أعتاب السلطان عبد الحميد. 7 ـ الارتسامات اللطاف فـي خاطر الحاج إلى أقدس مطاف، وهي الرحلة الحجازية التي قام بها. 8 ـ شوقي أو صداقة أربعين سنة. 9 ـ الشيخ رشيد رضا أو صداقة أربعين سنة، وكان الأمير من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق.

شعره: كان يحب الجزالة حتى يستسهل الوعورة، حضري المعنى، بدوي اللفظ.

لقد نبغ منذ طفولته في الشعر وكان أبكر الفتيان في نشر ديوان له، وجاء ديوانه في وقته آية، غير أنه لم يلبث أن ترك الشعر وانصرف إلى الترسل، فحبس فيه ما أوتيه من العبقرية وهو إمام المترسلين، على أنه قد يدعوه داع من النفس أو من الطوارئ فينظم، ينظم كما ينثر فياض الفكر غير تعب، لكن نظمه يحمل في عهده الآخر أثراً من نثره كما يقول:

لو كان يدري فاضل قدر نفسه

رأى ذكره فرضاً على كل مسلم

أيعجب من تنويه مثلي بمثله

لعمري الذي قد شق في شعره فمي

كان بينه وبين الشاعر المصري المرحوم محمود سامي البارودي مراسلات شعرية كثيرة، ومن شعره البليغ قوله فيه:

ما بين غزلان العقيق وبانه

حرب بها بطل اللقا كجبانه

الموت بين العاسفين موزع

مما جرى للعطف مع أقرانه

حرب تضرّم بالحضيض سعيرها

وعجاجها بالجزع فوق رعانه

عبثت بعشاق العقيق وأوغلت

فدماؤهم تربى على غدرانه

لم يرهبوا بأساً لقاء أسوده

فأبادهم حتفاً لقا غزلانه

لم ينجهم تكسير مرّان العدى

من فتك قدّ الحب في مرّانه

يا زائراً تلك الربوع وسائراً

بعراصها الفيحاء في ركبانه

إن تنزلن سفح العقيق فأشرفن

واسفح عقيق الدمع مع عقبانه

وتأملن صنع الهوى بغريقه

فإذا رضيت فبعد ذلك عانه

وانظر أيا مستسهلاً طرق الهوى

لمصارع العشاق في ميدانه

لا عزة عصت الهوى بحروبها

وتخرمت بين الهوى وهوانه

لم تختش القضب الصوارم في الوغى

وسطا عليها البان في قضبانه

فتسيل أجفان الظبى رعباً وكم

ظبى تسيل على ظبى أجفانه

سبحان من خلق الفؤاد وطامه

أبداً على حب الحمى وحسانه

في عهد الانتداب الفرنسي: لم يحضر إلى وطنه في عهد الانتداب الفرنسي، وقد أقام مدة سنة ونصف في مدينة مرسين التركية ليكون قريباً من الديار السورية ويتمكن من مشاهدة والدته، وكان شوكة دامية في قلوب الفرنسيين يغزوهم بقلمه ودعاياته النشيطة، وقد أنشأ جريدة أصدرها باللغة الفرنسية أيام إقامته في سويسرا، وكانت حافلة بالمواضيع الوطنية والثقافية والاجتماعية، إلا أن عمرها لم يطل، لأنه لم يتلق أي مساعدة مادية، حتى إن المشتركين أنفسهم لم يقوموا بواجبهم حيال الأمير الأديب العربي الفذ، وهذه حالة يؤسف عليها في بلاد الشرق. كان لطيف التساهل، فكه المعاشرة، له أصدقاء كثيرون في بلاد العرب والأستانة وأوروبا من مختلف الملل والأجناس، ولكنه حديد المزاج، شديد الخصام، ولهذا يبالغ في ودِّه أصدقاؤه، ويغلو في عدوانه خصماؤه. وكان عظيم الغيرة على دينه الإسلامي بالدفاع عنه، لا يطيق صبراً على من نال منه بلسانه أو قلمه.

وفاته: وكتب قبل وفاته تحت رسمه:

ونفسك فأبدأ بتصويرها

بما أنت من خالدٍ فاعلُ

وإلا مضى الحسم من رسمه

ولا يخلدُ الزائلَ الزائل

وفي يوم الإثنين التاسع من شهر كانون الأول سنة 1946م طواه الردى إثر إصابته بنوبة قلبية شديدة لازمته مدة أربعة أيام، واحتفل بتشييعه في اليوم الثاني، ونقل من داره في بيروت ودفن في مسقط رأسه في الشويفات.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 364 ـ 366).

الأعلام