صالح سلطان
صالح سلطان([1])
الشيخ صالح سلطان
(1881 ـ 1953م)
مولده ونشأته: ولد الشاعر المترجم المرحوم الشيخ صالح بن محمد سلطان في حماة سنة 1881م وتخرج على أعلامها فكان عالماً في علوم التفسير والحديث والفقه والتوحيد والفرائض والتصوف وفي النحو والصرف والمنطق وآداب البحث والوضع والبيان والبديع وداوم خلال الحرب العالمية الأولى على التطبيقات التدريسية في دار المعلمين بدمشق فتلقى أصول التربية والتدريس.
في خدمة العلم: تولى الإمامة والخطابة والتدريس في جامع (الأفندي) بحماة ما ينيف على نصف قرن وعين مديراً لمدرسة برهان الترقي الأميرية بحماة في سنة 1907م وأظهر كفاءة استحق عليها الشكر، فكانت مدرسته محط الآمال وموضع إقبال المجتمع وتخرج عليه تلامذة أصبحوا من كبار الشخصيات البارزة ثم استقال خلال الحرب العالمية الأولى من هذه المدرسة التي أسسها وذلك إثر تدهور النقد التركي وبناء على خبرته في العلوم الشرعية عين مساعداً في المحكمة الشرعية بحماة وفي عام 1923م عاد لخدمة المعارف إثر إلغاء وظيفته في المحكمة الشرعية وعين معلماً لدروس الديانة واللغة العربية في مدرسة نموذج التطبيقات وهي القسم الابتدائي من المدرسة التجهيزية إلى أن أحيل على التقاعد.
شعره: لقد وقف الشاعر المترجم على أسرار اللغة العربية وحلق بين شعراء عصره وسجل في شعره حوادث اجتماعية وقومية، وساير المجتمع به وثوبه وتحفزه وانطلاقه، وكانت نفحات شعره من مدح أو رثاء أو غزل أو نقد طرائف تهتز لها القلوب، وقد اشتهر بالإباء والشمم والزهد والقناعة فلم يمدح لغاية ومن شعره البديع تشطيره قصيدة السيد الشبراوي في مدح آل البيت ومطلعها:
إن العواذل قد كووا | وشووا لجسمي اليوم وي |
أوما كفاهم كيهم
| قلبي بنار العذل كي |
ومرادهم أسلوا هوا | محياك أو أبغي السوي |
كي ذا وفي قلبي ثوا | ك وأنت نقطة مقلتي |
وله تخاميس كثيرة منها قصيدة طويلة بعنوان (يا ساكني بغداد هل من أوبة) قال في مطلعها:
إن الغرام حوادث وخطوب | ما طاقتها حملاً سواي أديب |
لكن لدى الإبعاد وهو مذيب | قلب المتيم في الهوى مرعوب |
والدمع منه بالدما مسكوب |
هجوه: كان هجوه لفريق اعتدى عليه يوم الانتخابات التي جرت في 20 كانون الأول 1931م فقد اتهموه بتأييد فريق دون آخر من المرشحين، فنالوا من كرامته وهو العالم الجليل والمربي الكبير والوطني المخلص، فكان هجوه لهم منبعثاً عن خيبة وألم، ولا غرابة أن كان هجوه مرآة صافية لانطباعاته الملتهبة وروحه الثائرة لما قابله فريق بإساءة لأمر مقصود وهو بحكم مركزه الديني فوق الأحزاب والغايات. ويظهر صدى تأثره العميق مما وقع له بقصيدته نقتطف منها بعض أبيات قال:
قوم غدو يدعون الحب في الوطن | وما بهم غير خداع وغشاش |
قوم يقولون نحن المخلصون له | وما بهم غير كساب وهباش |
ويتجلى نبله في هجوه إذ ترفع عن التصريح بأسماء من أساؤوا إليه أو التلميح عنهم.
شعره الغنائي: كان يهوى سماع الأصوات الحسنة ويتأثر شعوره بالأنغام الشجية وقد عارض بعض القدود القديمة والحديثة الملحنة وله أناشيد مدرسية كثيرة.
غزله: لقد عبر في شعره الغزلي عن إحساسه وخلجات قلبه وهيامه بالجمال المطلق، كما هام قبله شاعر حماة (الهلالي) الذي قال:
أهوى الجمال المطلقا | أيان ما كان |
إذ مذهبي أن أعشقا | حوراً وولدان |
وكأن المجال لم يشف غليل قلبه في حماة فوجد ضالته المنشودة في ربوع حمص ولعمري فالجمال مشاع بين المتغزلين والعذال وحرب الغيرة لا ينطفئ ضرامهافيما بينهم ومن غزله الرائع وصفه لغزالات حمص قال رحمه الله:
ما بين ساقية الما والسرايات | ضيعت قلبي وازدادت بلياتي |
من كل فتانة تسطو بمقلتها | على المحب فترميه بعلات |
ما مدن في قدهن السمهري ضحى | إلا وجددن في أحشاي زفرات |
يا قدهن الرديني خف إلهك في | تعذيب قلبي إذ تبدى لميدات |
لو شمتهن تنادي آه وا تلفي | وا طول شوقي إلى هذه الغزالات |
فهن حور وتلك الأرض جنة من | قد فاز منهن في ضم وقبلات |
لا عيب فيهن إلا أنهن لقد | كن البدور على أغصان بانات |
روحي فداهن مع ما كنت أملكه | من ناعسات رفيقات الطبيعات |
والله لم أنس ذياك التنافر منـ | ـهن الصباح ومعه حسن لفتات |
فلي بهن فتاة ما رنت كغزا | ل البر إلا وأردت رب نظرات |
فهي التي صادت الأحشاء وا تلفي | منها القوام إذا قامت قياماتي |
وهي التي لم أرد عنها السوى بدلاً | ما دمت حيًّا إلى نزعي وسكراتي |
وهي التي أحرقت مني الحشاشة إذ | ودعتها حيث أجرت فرط عبراتي |
أقول عند وداعي ارحمي تلفي | في حفظ ودي كذا عهدي وذماتي |
تقول نحن على ما نحن طب أملي | نفساً فلم يثننا رب المقالات |
ونحن منا يميل القد ليس يميـ | ـل القلب عمن به صدق المودات |
فيا رفاقي إن البعد أحرقني | حتى كرى الكبد مني والحشاشات |
مني عليها تحيات تليق بها | ما قد مضى لي معها طيب أوقات |
وما تذكرت أياماً خلت وحلت | في وصلها ورقيبي موكر شاتي |
وقد وصف شاعر العاصي العبقري الأستاذ بدر الدين الحامد صاحب هذه الترجمة بأنه كان يتعمد الصناعة البديعية في قريضه ويغرق فيها إغراقاً قلما يلحق به شاعر في زمانه، وأن هذه الأساليب المعجزة التي كان يصطنعها تدل على قدرة وبراعة وقوة.
وفاته: كان يدعو الله أن تكون وفاته وهو بحال صحته وبأثناء صلواته، وافته المنية إثر سكتة قلبية أصابته يوم السبت في 14 شباط 1953م عقب انتهائه من أداء فريضة صلاة العشاء فاستجاب الله أمنيته وقد عز نعيه على المجتمع وتبارى الأدباء والخطباء في تأبينه ورثائه وأعقب أنجالاً لهم مكانتهم البارزة في المجتمع.
* * *