صالح بن عثمان بن موسى
صالح بن عثمان بن موسى (الدرويش)([1])
الشاعر المتفنن المرحوم صالح بن عثمان بن موسى باشا الملقب بالدرويش.
أصله ونشأته: هو المرحوم صالح بن عثمان بن حمزة بن موسى المكنى (بالدرويش) لانتسابه للطريقة المولوية، وأصل هذه الأسرة من الأندلس، فقد التحق أحد الأجداد من سكان المدينة المنورة بحملة الأندلس العربية واستوطن فيها وأنجب أولاداً منهم موسى باشا، وهو الجد الرابع للمترجم، وجاء مع المرحوم محمد باشا العظم إلى معرة النعمان فدمشق، وعين أميراً للحج وموسى باشا أميراً للجردة، واستوطن دمشق، وكان بيته في حي القنوات (الشابكلية)، وفي سنة (1170ﻫ) و(1751م) سافر موسى باشا أمير الجردة مع قافلة الحجاج وعند وصول القافلة إلى قرية (داعل) في حوران اشتبك مع العربان الذين تصدوا لسلب القافلة فاستشهد على إثرها وجيء بجثمانه فدفن في (ذي الخمار) القرية المعروفة بدمشق، وكانت الأسر في القديم تتكنى بأسماء الآباء والأجداد، ومن هذه السلالة أسرة باكير بك وأسرة تمر وأسرة سي بك وغيرها.
ولد المترجم سنة 1834 ميلادية.
علومه: أخذ المترجم العلوم الدينية على علماء عصره من آل الأسطواني والخاني، فكان عالماً فاضلاً وشاعراً مجيداً، ومن المؤسف أن لا يعرف ورثته قدر آثاره، وهكذا ضاعت ثروته الأدبية بسبب الإهمال وعدم التقدير ولم يبق منها أي أثر أدبي، وإني أشكر حفيده الأديب الدكتور محمد حسني الدرويش الذي اهتم للأمر وهيأ لي بعض المعلومات لتخليد ذكر جده رحمه الله.
تعلقه بالفن الموسيقي: لقد فطر المترجم على حب الفن وكان رحمه الله ذا صوت جميل فاتصل بالفنانين وتلقى عنهم علم النغمة والأوزان والموشحات، له ولع خاص بإقامة الأذكار والمدائح النبوية والقصائد والموشحات الصوفية، وكان ماهراً بالضرب على النقرزان (النقارات) والرق، ويجتمع في داره الواسعة الواقعة في حارة النوفرة في دار المحتسب أهل الذكر من رشيدي وشاذلي وقادري ومولوي، وكانت ملتقى الفنانين والخلان، وله مكانة مرموقة في حلقة الذاكرين ينشد بصوته الرخيم النشيد الفارسي المأثور عند قيام الدروايش في الحلقة.
علاقته بالقباني: لقد تأكد أن المترجم كان من أقرب الفنانين إلى المرحوم أبي خليل القباني الفنان الشرقي الأعظم وكانا على وفاق وامتزاج بالأهداف الفنية الموسيقية والتمثيلية حتى فرقهما الموت، وكان اختصاص الفقيد في فرقة القباني التمثيلية تهيئة الألبسة للممثلين وتلوين المسرح بالألوان الطبيعة الملائمة لفصول الرواية وإخراج مناظر الأمطار والزوابع والثلوج والرعود وأصوات الحيوانات على أسطوانات مستديرة وتلقينها للممثلين وتعويدهم على إخراجها بالشكل الملائم، وكان يشترك في تمثيل الأدوار المهمة وفي التلحين وتهيئة كتاب التلقين للممثلين، وسافر مع فرقة القباني إلى مصر فكان من أخلص الدعاة لأبي خليل القباني ورسالته الفنية.
سفره إلى معرض شيكاغو: ولما دعي القباني لزيارة معرض شيكاغو كان الفقيد من جملة الممثلين البارزين الذين وقع اختيار القباني عليهم لمرافقته في رحلته التاريخية إلى الولايات المتحدة. وقد مكث هناك ستة أشهر، ولما كانت مقاصده النبيلة لا تقف عند حد فقد استفاد من وجوده في شيكاغو فدرس خلالها طب الأسنان وهو الفن الذي تفتقر إليه دمشق في ذاك العهد ويعود الفضل في ذلك إلى أبي خليل القباني رحمه الله الذي مهد له السبيل للاتصال بما يريد وتحقيق أمنيته، وعند عودة الفرقة التمثيلية إلى مصر عرج المترجم إلى إيطاليا وبقي فيها مدة شهر ليتزود بالمعلومات والأدوات اللازمة لهذه المهنة، ولما عاد إلى دمشق علمها إلى أولاده وأحفاده وأقربائه وغيرهم، واتخذ عيادة له في سوق الحرير، ثم كثر عدد من انتحل اسمه ولقبه فأضاف كلمة (الدرويش) على اسمه كعلامة فارقة.
وفاته: وفي يوم الجمعة السابع من شهر ربيع الأول سنة 1328ﻫ و20 آذار 1910م وافاه الأجل المحتوم، فدفن في تربة باب الصغير بدمشق قرب الصحابي بلال الحبشي رحمه الله.
* * *