جاري التحميل

صالح علي الشرنوبي

الأعلام

صالح علي الشرنوبي([1])

(1923 ـ 1951م)

برزت مواهبه عندما كان طالباً بالقسم الثانوي بمعهد طنطا، وأكد الذين عرفوه أنه لم يتخط الثلاثين من عمره، فتكون ولادته في سنة 1923م على وجه التقدير، ولم يكد نور هذا الشاعر يسطع على الدنيا فيلفت إليه الأنظار حتى سقط في طرفة عين كالبرق الخالب، لقد مضى في رونق شبابه، فمضت معه شاعرية ناضجة وهيض إثره جناح جبار، وانطوت بموته صفحة للفن الرفيع، وكان الأدب يأمل أن يسد هذا الشاعر الفنان الشاب ثغرة تركتها في الشعر العربي وفاة الشاعر علي محمود طه.

مواهبه: لقد كان في مصر، ومع ذلك فقد برز اسمه بين الشعراء بما ينشره من قصائد في مجلة (الفكر الجديد) فالعبقرية غلابة على السن والجنس والنوع، فليس من لوازمها أن يكون العبقري شيخاً، ولا من موانعها أن يكون رجلاً لا امرأة لقد كان في شعره روعة الفن وصدق الأداء، فهو لا يخرج القصيدة إلى حيز الحياة إلا بعد تجربة نفسية تصهر فيها إحساسه ومشاعره، لقد عُرف برقة الحال المستترة بالتجمل، ولم يكن يشعر أحداً بحاله، فقد كان من البؤساء المتعففين، فلم يثر جلبة حوله، وكان حييًّا متواضعاً، إن ذكر شعره بالثناء خجل وأبدى شكره في تواضع عذب، عاش وديعاً موادعاً مسرفاً لا يبقي في يده على شيء، سمح الخلق رضي النفس.

وفاته: أراد أن يتغنى بين إخوانه الشعراء بمباهج الصيف، ولكن الموت عاجله، فكان موته من العبر التي لا تتكرر في كل حين، ولكنها على قلتها خالدة وصفحة باقية، ولم يجد قائل ما يرثيه به خير من قوله:

مات فرد ممن شدا الحق فيهم

«وأنتم الناس أيها الشعراء»

ثم استمع بعد ذلك إلى هذه الومضات المتدفقة من أعماق وجدانه المشتعل:

هذا أنا في العالم الكبير

فوق ربى المقطم المهجور

متخذاً من أرضه سريري

من الحصى والطين والصخور

وتحت سقف الأفق المطير

والقاصف المزمجر المقرور

أنام نوم العاجز الموتور

على عواء الذئب والهرير

وقهقهات الرعد في الديجور

تسخر من عجزي ومن تقصيري

لم يكن شاعراً كبقية الشعراء، بل كان له مذهب خاص في الشعر تدل قصائده على أنه مرهف الحس مشبوب العاطفة قوي الإحساس.

شاعر الكون لا يقيده الكو

ن وإن ضمه تراب وماء

ساحر النور والظلام، وكم يسـ

ـمو فتفنى في نوره الظلماء

وفاته: طواه الردى في شهر أيلول 1951م وهو في أوج شبابه.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 487).

الأعلام