صالح المحبك
صالح المحبك([1])
الفنان الموهوب والمنشد المطرب الأستاذ صالح المحبك
أصله ونشأته: هو الأستاذ صالح بن محمد المحبك، ولد بحلب سنة 1911م وماتت أمه وهو في السادسة من عمره فترعرع بين أحضان نساء الأب، وكان أبوه مطلاقاً مزواجاً فناله من الأذى والتشريد الشيء الكثير، وكان يغيب عن دار أبيه الليلة والليالي دون أن يشعر والده بذلك، لأن زوجة أبيه همها إقصاؤه عن البيت ليخلو لها الجو، ولما بلغ العاشرة من عمره أجبره والده على حفظ القرآن الكريم غيباً فحفظه بمدة سنتين وتردد مع والده على حلقات الأذكار وحفظ أناشيدها، ونشأت في نفسه ملكة الموسيقى. ولما بلغ سن المراهقة كان حافظاً للقرآن ومرتلاً مجوداً.
وسمعت به الخوجة الفنانة الشهيرة (أم سامي) فرغبته لملازمتها وأخذ عنها علم العود وأصبح مرافقاً لها في احتفالاتها، واعتنت بأمره فذاع صيته بأوساط حلب الفنية وأصبحت لا يمكنها الاستغناء عنه لجمال صوته وبراعته بأغاني ذلك العصر.
نشأته الفنية: كان والده فناناً ومعاصراً لأشهر فناني حلب أمثال المعظم وابن عقيل وغيرهما، وقد لقنه الإيقاع والأوزان والموشحات وكان يبعده عن الأغاني التي لها سمة الخلاعة ويصرفه عنها.
وفي عام 1923م توفي والده وعين المترجم بوظيفة أبيه في الجامع الكبير الأموي، وتبناه الأستاذ الشيخ كامل الغزي فعينه كاتباً في فرع المجمع العلمي العربي، وقام بتنسيق المكتبة بمهارة فائقة وانكب على دراسة اللغة العربية وقواعدهاواستطاع نظم الشعر فمدح مقام الإفتاء بحلب بقصيدة كانت أول أثر أدبي له ومطلعها:
يا سيداً في فضله يفخر العصر | ومن قوله فعل ومن لفظه در |
تباهي بك الفتوى ويلعو منارها | ويزهو بك النعمان ما طلع الفجر |
ولازم الفنان المرحوم محمد جنيد المنشد الشهير واشترك بعدة تمثيليات في نادي التمثيل والموسيقى بحلب وأخذ عن الفنان المرحوم أحمد الأوبري الفنون العصرية، واشتهر أمره وتهافتت النوادي على دعوته لحفلاتها الساهرة، ورافق الفرقة الأرمنية برئاسة السيد نعلبنديان ومن هذا المحيط درس علم النوطة والصولفيج والعزف على العود، وتلقى الناحية الشرقية على الشيخ علي الدرويش الموسيقار المشهور.
رحلته إلى العراق ومصر: وفي سنة 1929م سافر مع المطربة فيروز الحلبية إلى العراق وفيها اجتمع لأول مرة في حياته مع الأستاذ المرحوم عمر البطش الذي يرأس فرقة موسيقية تشتغل ببغداد وأخذ عنه الكثير من الموشحات والأوزان واستغرقت رحلته هذه خمسة أشهر ما بين البصرة والموصل وكربلاء وسامراء وبغداد واجتمع بفطاحل العراقيين، ورافق الأستاذ المرحوم أحمد الأوبري إلى مؤتمر الموسيقى الذي عقد في القاهرة بتاريخ 16 آذار 1932م ليلقي طرفاً من ألوان الموسيقى الحلبية، وسجل خلالها موشح القباني المشهور (كلما رمت ارتشافا) واشترك في حفلة ختام المؤتمر التي أقيمت في دار الأوبرا الملكية وألقى الموشح القديم (إن العيون السود سهام القدر).
ومكث في مصر مدة ستة أشهر لازم فيها الأستاذ المرحوم الشيخ علي محمود أستاذ الفن الشرقي في القطر المصري. يحفظ المترجم الكثير من ألحان المرحوم الشيخ سيد درويش، فأعجب به الملحن المشهور الشيخ أحمد زكريا وأخذ عنه الموشح المشهور (منيتي عز اصطباري) من ألحان سيد درويش الخالدة، وأعجبت بفنه أم كلثوم وأثنى على نبراته الحادة الفنية الأستاذ المرحوم داوود حسني.
وفي سنة 1933م ذهب إلى بغداد للاشتراك في حفلة أربعين المرحوم الملك فيصل ودعي مع الوفد السوري إلى حفلة رسمية بعد انتهاء الحداد مساء 26 تشرينالأول 1933م، فلحن بهذه المناسبة نشيد (في ذمة الأوطان والمجد يا فيصل) ومكث شهراً في بغداد ثم رجع إلى حلب.
إنتاجه الفني: لحن أناشيد حماسية وطنية كثيرة حفظها المنشدون وذاع أمرها، منها نشيد هنانو (يا زعيم الشرق يا فخر الملا) وقبض عليه الفرنسيون فسجن ونفي وعذب وهو جاهد صابر، ولحن نشيد الشباب (نحن رمز الفدى) ونشيد ميسلون (رددي يا سهول واهتفي يا هضاب) ونشيد الجنود (نحن جند للوطن) ونشيد العرب (نحن العرب نبغي الأرب) ونشيد العروبة (حق الجهاد عن الحرم) ونشيد العلم (علم الأوطان رفرف) ونشيد سوريا (يا ربة المجد التليد)ونشيد الوحدة السورية (يا بني سوريا يا خير البنين) ونشيد الربيع (اقطف الورد فقد لاح الصباح) ونشيد فلسطين (يا فلسطين الحزينة) ونشيد المجد (في سبيل المجد والأوطان نحيا ونبيد) ونشيد الجنود (نحن جند للبلاد) ونشيد الأحرار (أيها الأحرار هيا).
ولما وقعت حوادث فلسطين لحن أناشيد كثيرة منها (يا فلسطين مضى عهد الرقاد) ونشيد (جردوا السيف والقلم) ونشيد (أيها الجيش تل أبيب تل أبيب).
ولحن وصلات من الموشحات الأندلسية منها وصلة من مقام الهزام (ودع الصبر محب ودعك) ووصلة من مقام السيكاه (هبت رياح الأحبة)، ووصلة من مقام الزنجران (لم يطل ليلي ولكن لم أنم).
رحلته الثانية إلى مصر وفلسطين: وفي سنة 1942م ذهب إلى مصر لإتمام دراسة القراءات بالروايات السبع وتلقاها عن الشيخ درويش الحريري ومكث فيها سنة وتعرف خلالها على أشهر فناني مصر.
وفي سنة 1947م كانت رحلته مع الفرقة الفنية إلى فلسطين فاستقبل بحفاوة من قبل فنانيها وعاد إلى وطنه.
ولما حضر الفنان المشهور الحاج عمر البطش إلى دمشق وقام بتدريس فنونه في المعهد الموسيقي الشرقي أخذ المترجم عنه فاصل السماح الجديد الذي سماه(المشط) وأخذ منه ما كان مشكلاً عليه من دقائق فن الموشحات الأندلسية وفن السماح والأوزان.
وسجل لإذاعة راديو باريس أربع تلاوات من القرآن الكريم.
وفي سنة 1931م كان زواجه الأول وفي سنة 1932م كان زواجه الثاني وانتقل مع أسرته إلى دمشق فاستوطنها وهو أستاذ الموشحات في المعهد الموسيقيالشرقي.
وفاته: وفي اليوم السابع عشر من شهر تشرين الثاني 1954م و21 ربيع الأول عصفت المنية بروح العندليب المتفنن المرحوم صالح المحبك الحلبي أستاذ المعهد الموسيقي الشرقي للموشحات، والمدرجة سيرته في الصفحة (335) وهو في مستهل كهولته، وقد ألحد الثرى في مقبرة باب الصغير بدمشق وخسر الفن ركناً مفيداً، رحمه الله.
* * *