جاري التحميل

طاهر الجزائري

الأعلام

طاهر الجزائري([1])

العلامة النابغة المرحوم الشيخ طاهر الجزائري

أصله ونشأته: هو طاهر بن صالح بن أحمد بن موهوب السمعوني الجزائري هاجر والده الشيخ صالح من الجزائر إلى دمشق في سنة 1263ﻫ 1844م وكان من بيت علم وشرف معروف. دخل الشيخ طاهر المدرسة الجقمقية الاستعدادية وتخرج منها وأتقن اللغات العربية والفارسية والتركية ومبادئ العلوم، ودرس العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية والتاريخية والأثرية عن علماء الأتراك، وكان نظمه بالعربية أرقى من شعر الفقهاء، ونظمه بالفارسية كالعربية، وتعلم الفرنسية والسريانية والعبرانية والحبشية والقبائلية البربرية لغة أهله الأصلية.

مكتبته: اقتنى مكتبة نفيسة بلغت بضعة آلاف مجلد فيها كثير من النوادر المخطوطة ولطالما رحل من بلد إلى آخر ليطلع على مخطوط حفظ في بعض الخزائن الخاصة. وكان اعتماده في عيشه آخر أيامه على الكتب التي اقتناها طول حياته وأخذ يبيع منها بالتدريج، ومعظم نفائس خزائنه نقلت إلى دار الكتب المصرية في القاهرة.

علمه وعمله: تولى التعليم لأول مرة في المدرسة الظاهرية والابتدائية ولما أسست الجمعية الخيرية من علماء دمشق وأعيانها سنة 1875م دخل في عداد أعضائها، ثم استحالت إلى (ديوان معارف) فعين مفتشاً عامًّا على المدارس الابتدائية التي أنشئت في عهد المصلح الكبير مدحت باشا والي سورية من سنة 1876م وفي هذه الحقبة ظهر نبوغ الشيخ طاهر وعبقريته في تأسيس المدارس واستخلاص القديمة من غاصبها، وحمل الآباء على تعليم أولادهم، وأنشأ بمعاونة نخبة من أصدقائه «دار الكتب الظاهرية» وجمع فيها سنة 1876م ما تفرق من المخطوطات العظيمة في عشر مدارس تحت قبة الملك الظاهر ببيرس البندقداري، ولقي ممن استحلوا أكل الكتب والأوقاف مقاومة شديدة وهدوده بالقتل إن لم يرجع عن قصده، فما زادوه إلا مضاء وإقداماً ولا تزال هذه الدار أثراً من آثاره في دمشق وإنه ليندر في المتأخرين من علماء دور الانحطاط الفكري نبوغ رجل مثله، وعى صدره من ضروب المعارف ما وعى، وكان متضلعاً في علوم الشريعة وتاريخ الملل والنحل بشكل منقطع القرين، وفي تاريخ العرب والإسلام وتراجم رجاله.

كان رحمه الله إماماً في علوم الأدب واللغة والتفسير والحديث والأصول، ويعرف السياسة وما ينبغي لها، اتسع صدره لجماع علوم المدنية الحديثة إلا الموسيقى والتمثيل فلم يكن له حظ فيهما، وكانت له طرق مبتكرة في بث الأفكار التي تخالف معتقد الجمهور يبثها في العقول دون جعجعة، وتلاميذه ومريدوه يعدون بالعشرات، وأكثرهم يشغلون اليوم مقامات سامية في دور العلم والحكم وفي التجارة والزراعة، وكانت خطته الإخلاص والعمل على النهوض بالأمر من طريق العلم، وثورته ثورة فكرية لا مادية.

أخلاقه وعاداته: كان المجتمع يرى فيه الأثر الباقي والمثال الحي، وكانت حياته نمطاً واحداً طول حياته، جد في حركته لا يبالي بالعوائق مهما عظمت، وقد ألفت الحكومة التركية وظيفة التفتيش خوفاً من شدته في بث الدعوة ضد الأتراك، وكان رحمه الله عف النفس، فيه إباء الملوك الصالحين وزهد الزاهدين العابدين، يؤثر الخمول وعدم الظهور، وكان يلبس قفطاناً وجبة وعمامة من الغباني، مغرماً بالتدخين، ويحب السباحة والعوم.

هجرته إلى دمشق: لما كثر إرهاق العلماء في العصر الحميدي رحل إلى القاهرة منذ سنة 1907م إلى سنة 1920م ولما عاد إلى دمشق عين مديراً لدار الكتب التي كان أنشأها في صباه وعضواً في المجمع العلمي العربي، كانت له صحبة أكيدة مع العلماء من جميع الطوائف وصلات بعلماء المشرقيات، ويكره الاستعمار.

تآليفه ورسائله: ومن تآليفه المطبوعة الجواهر الكلامية في العقائد الإسلامية، منية الأذكياء في قصص الأنبياء، مد الراحة إلى أخذ المساحة، مدخل الطلاب إلى فن الحساب، الفوائد الجسام في معرفة ضواحي الأجسام، ورسالة في النحو، وأخرى في البديع، وثالثة في البيان، ورابعة في العروض، وكتاب تسهيل المجاز إلى فن المعمى والألغاز، وشرح ديوان خطب ابن نباتة، ومختصر البيان والتبين للجاحظ، أما المخطوط فتفسيره الكبير، ويدخل في أربعة مجلدات مخطوطة محفوظة في دار الكتب الظاهرية.

وفاته: استحكم فيه مرض الربو، وقبيل وفاته بشهر قفل راجعاً إلى دمشق، وانتقل إلى رحمة ربه يوم 14 ربيع الثاني سنة 1338ﻫ و5 كانون الثاني سنة 1920م ودفن في سفح جبل قاسيون بدمشق حسب وصيته.

*  *  *

 



([1] (أ) (1 /223 ـ 224).

الأعلام