عادل أرسلان
عادل أرسلان([1])
الأمير عادل أرسلان
(1882 ـ 1954م)
مولده ونشأته: ولد الأمير عام 1882م في الشويفات وتلقى علومه في مدرسة الحكمة والفرير والعثمانية في بيروت، ثم سافر إلى فرنسا للاختصاص في الأدب العالي وبعدها انتسب إلى الكلية الملكية في استانبول دون إتمامها وكان يتقن اللغتين التركية والفرنسية.
خدماته: لقد شغل وظيفة أمانة السر من الدرجة الأولى في وزارة الداخلية العثمانية في استانبول سنة 1913م، ثم عين مديراً للمهاجرين في ولاية سورية عام 1914م، وبعدها أسندت إليه قائم مقامية الشوف في لبنان.
وفي سنة 1916م انتخب نائباً عن جبل لبنان في مجلس المبعوثين العثماني وظل في استانبول حتى الهدنة في سنة 1918م ثم عين حاكماً لجبل لبنان في خريف عام 1919م، وبعدها مساعداً إداريًّا لحاكم سورية العسكري العام في الحكومة الفيصلية، ثم مستشاراً سياسيًّا للملك فيصل عام 1920م واتخذه رسولاً في اتصالاته مع الإنكليز والفرنسيين، ولما انهار العهد الفيصلي سافر إلى أوروبا، وبعدها استقر في شرقي الأردن، فعهد إليه برئاسة ديوان إمارة الأردن من عام 1921 إلى عام 1923م، ثم سافر إلى الحجاز، ولما احتل السعوديونمكة سنة 1925م نزح إلى مصر، ثم جاء إلى القدس وكانت الثورة السورية الكبرى.
في الثورة السورية: لقد حكم عليه بالإعدام غياباً ثلاث مرات، أولها يوم دخول الفرنسيين دمشق في 24 تموز سنة 1920م، والثانية عام 1921م، والثالثة أثناء الثورة السورية عام 1925م.
لقد ناضل هذا الأمير النبيل في سبيل حرية بلاده واستقلالها، واشترك فعليًّا في الثورة السورية، وكان من دعاتها ومؤسسيها، وقاد جيوشها في كثير من المواقع وأصيب بجراح، وأقام مع إخوانه المجاهدين في النبك بعد انتهاء الثورة، ثم سافر إلى أوروبا وبقي فيها مشرداً مع القادة الوطنيين، وطاف البلاد العربية بمهام استقلالية واستمر على الكفاح والنضال إلى أن عقدت المعاهدة الفرنسية ـ السورية عام 1936م، عاد على إثرها إلى سورية عام 1937م حيث عين في العهد الوطني وزيراً مفوضاً لسوريا في أنقرة من عام 1937م إلى عام 1938م، ولما انهار الحكم الوطني بانهيار مشروع المعاهدة اعتقله الفرنسيون وأبعدوه إلى تدمر، ثم أطلقوا سراحه ورجع إلى بيروت واستقر فيها.
في الوزارة: وفي 17 حزيران سنة 1946م تقلد وزارة المعارف في الوزارة الثالثة للمرحوم سعد الله الجابري، ثم تقلدها عام 1947م في وزارة جميل مردم بك.
في المجلس النيابي: انتخب نائباً عن الجولان في البرلمان السوري عام 1947م وكلف في 8 كانون الأول سنة 1948م بتشكيل الوزارة السورية، فاعتذر عن القيام بهذه المهمة، وكلف مرة أخرى فاعتذر، وكان مندوباً لسورية في مؤتمر فلسطين الذي عقد بلندن، وفي 19 نيسان 1949م عهد إليه برئاسة الوفد السوري إلى الأمم المتحدة، ولكنه استقال من هذا المنصب في 20 تشرين الأول 1949م احتجاجاً على سياسة الحكومات العربية في معالجة قضية فلسطين.
في وزارة الخارجية: وفي عهد حكومة حسني الزعيم تقلد وزارة الخارجية من 16 نيسان سنة 1949م، ثم عين في أواخر هذه السنة وزيراً مفوضاً لسوريا في تركيا، وبقي حتى الانقلاب الواقع على حسني الزعيم، ثم عاد إلى مسقط رأسه في لبنان.
شعره: كان الأمير شاعراً مفلقاً، وكاتباً ناثراً مبرزاً، وخطيباً مفوَّّهاً، ومن شعره البليغ قصيدة بكى بها شقيقه الأمير نسيب، وقد نظمها لما جاءه نعيه، وهو في صحراء النبك بشرقي الأردن خلال الثورة، وبعث بها سنة 1927م إلى أهله يرثيه بها:
نفى النوم ما هاج الضمير المناجيا | أفي الغيب ما أخشى، وإلا فماليا |
هواجس قد أصبحت بعد دبيبها | أكاد إذا أنصتُّ أسمعُ ناعياً |
إذا تلعات النبك لاقت نواظري | تمثل فيها ضاحك الروض باكياً |
وقفت على واد السراحين واجماً | أخالط ليلاً بالملمات داجياً |
على النخلات الخمس يطغين في الدجى | يشرن إلى المشتاق ألَّا تلاقيا |
تمايل من هوج الرياح كأنها | نوادب يحثين التراب بواكيا |
ألا إن هولًا شد من كل جانب | وأطبق يستدجي عليَّ النواحيا |
بلى قد مضى والقلب يهفو لذكره | نسيب وخلَّى آهل الربع خاليا |
فيا نائباً أواه لو أن نظرة | تزودتها من قبل أن صرت نائياً |
فديتك لو ترضى المنية فدية | وهيهات ترضى بي لمثلك فاديا |
أتقضي ويعدوني الحمام مخاطراً؟ | لعمري لقد أبطأت في العمر ماشيا |
ويخطئني سهم ويرديك غيره | فيا لهفي ما أخبث الدهر راميا |
وختمها بقوله:
إذا الوطن المحبوب فاز بحقه | وجدنا الرزايا في هواه تعازيا |
ولما ضرب الفرنسيون دمشق بالمدافع وهدموا بعض أحيائها توجع لما حل بها من نكبات فقال:
أضاحية الفيحاء هل جفت الدما | وهل آن للموتور أن يتبسما |
وهل أبطلت فيك المدافع رعدها | وهل آذنت للطير أن يترنما |
سلام على الفيحاء من قلب موجع | أبت نفسه في الحب أن يتظلما |
فتى أخذت أيدي النوى من شبابه | فما تركت إلا فؤاداً متيماً |
وعزماً يريه العام يوماً وليلة | وصبراً يريه القفر أحلى وأحلما |
وما ضره أن يشمل الشيب رأسه | وهل عاب نسر الجو أن صار قشعما |
نعمت صباحاً جنة الأرض كلها | واسكن من تبكينهم جنة السما |
ولا زلت في وجه الجزيرة شامة | وأصبحت من باريس أعلى وأعظما |
سلام على الإخوان فيك ومن يطق | على هجرهم صبراً ذاق علقما |
وفاته: كان مصاباً بضعف في القلب، وقد ترددت النوبات القلبية عليه بصـورة دوريـة ، حتـى إنـه أصيب في عام 1953م في بيروت بنوبة قوية، وكان لا يصغي لنصائح الأطباء قبلاً فازداد شحوبه، وكان يشعر بدنو أجله وأدرك أهله وأصحابه أن ميعاد القدر معه قد اقترب، وفي الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السبت في 23 كانون الثاني 1954م و18 جمادى الأولى سنة 1373ﻫ توجه إلى بيت السيد نقولا بسترس لتعزيته بوفاة نسيبته، وبينما كان خارجاً من القصر يهبط الدرج وقف مكانه وهو يرتعش ثم صاح: لم أعد أستطع أرى، واختلج لحظة ووقع على الأرض ولفظ نفسه الأخير بالذبحة القلبية.
وهكذا سقط هذا القلب الكبير، وصمت ذلك اللسان البليغ، وانطفأت شعلة تلك الحيوية التي ملأت الشرق العربي جيلاً، وبوفاته غاب عن دنيا العرب وجه من نخبة الرعيل الأول، أولئك الذين أطلقوا فكرة القومية العربية على الفكرة الطورانية، ودفعوا الشعوب العربية في طريق الاستقلال، ودفن بجانب إخوته في مقبرة الأمراء الأرسلانيين.
* * *