عارف العارف
عارف العارف([1])
الدكتور عارف العارف
(1897م)
هو الفريد الجبار الدكتور النابغة الذي ضرب مثلاً رائعاً في العصامية واكتساب العلوم، نشأ يتيماً في قرية خاملة، وقد تزوجت أمه وخلفته شريداً، طريد القدر، لا بيت يؤويه، ولا مال يسعفه، ولا عين تهديه سواء السبيل، يهيم على وجهه، حفظ القرآن الكريم ليصبح شيخاً من مشايخ الضيعة، ولما شب ثار على بيئته وأبى القناعة بواقعه البائس، فتابع دراسته واشتهر بنبوغه، فسافر إلى فرنسا ودخل جامعتي باريس والسوربون، ومدرسة العلوم السياسية، فحصل على أعلى الشهادات في الحقوق والفلسفة والآداب والعلوم السياسية والاجتماعية والتاريخ، ونال لقب دكتور، ثم عاد إلى بلاده رافع الرأس ناصع الجبين.
مولده: لا يدرى بأية سنة ولد، وأكد الذين عرفوه أنه في العقد السادس من عمره، وكان في السادسة من عمره لما نام ذات ليلة واستيقظ في الصباح مغمض العينين، فجرب والده معالجته على طريقة أهل الضيعة من كي وثقب أذن، وبعد وفاة والده انتقلت به والدته إلى قرية أخواله في حصن الأكراد، حيث فجع بزاوج أمه وبقي طريداً شريداً.
مراحل دراسته: لقد شاءت الأقدار أن تنقذه مما وقع فيه، فقد جاء القرية وفد من علماء طرابلس، فرأوه وحملوه معهم إلى المدينة، حيث أدخلوه المدرسة العلمية الإسلامية، التي كانت تخرج المشايخ وخطباء الجوامع، ثم حضر إلى المدرسة زائر فرنسي هو الموسيو (بونور) مستشار المعارف في المفوضية الفرنسية إذ ذاك، فقدمته إليه الإدارة، وشجعه على إكمال الدراسة واعداً بتقديم المعونة إليه، فحفزه ذلك على مواصلة النشاط وأصبح له ثلاثة أحلام: دراسة الحقوق، الذهاب إلى باريس ونيل شهادة الدكتوراه، وقد تخطى بفضل هذه الآمال جميع المصاعب التي اعترضت سبيله، فدخل الكلية الإسلامية في بيروت، ثم مدرسة الحقوق الفرنسية فيها، فجامعة باريس السوربون، ومدرسة العلوم السياسية.
والطريقة التي كان يتبعها في دراسته هي الإصغاء إلى أساتذته بقلبه وبكل حواسه، وكان يطلب من رفاقه أن يقرؤوا دروسهم أمامه بصوت عال ليستعيد بواسطته ما لم يستقر في ذاكرته من كلام المدرس.
لم تكن دراسة الحقوق غايته القصوى ونهاية هدفه لطموحه في الحياة، بل كانت مقدمة لأن يصبح عالماً ينشر في بلاده أسمى ما في الغرب من مظاهر التقدموانطلاق الفكر، غير أنه لقي من المصاعب بعد عودته من أوروبا ما جعله يدفن طموحه العلمي، وأن يعيش كما يعيش أكثر الشرقيين بلا هدف ولا مرمى، وإن كان يختلف عنهم شعوراً وألماً.
* * *