عبد الحميد الخطيب
عبد الحميد الخطيب([1])
الشيخ عبد الحميد الخطيب
(1908م)
أصله ونشأته: هو الشيخ عبد الحميد بن المرحوم أحمد بن عبد اللطيف الخطيب، وأصل الأسرة من مكة المكرمة، تكنت (بالخطيب) لأن أجداده كانوا خطباء في المسجد الحرام، ولد في مكة المكرمة بشهر صفر سنة 1326ﻫ، وآذار سنة 1908م، تلقى مبادئ العلوم على والده وكان عالماً، وقد خلَّف في ميدان التأليف (46) مؤلفاً علميًّا، ثم درس على أعلام العلماء في الحلقات الدراسية التي تعقد في المسجد الحرام، وتعمق في العلوم الدينية، ودرس الآداب بالمطالعة.
سفره إلى مصر: سافر إلى مصر بعهد الملك حسين الهاشمي، وكان شقيقه أمين الخطيب معتمد الحكومة الهاشمية في مصر، فأقام فيها مدة خمس عشرة سنة، كان خلالها يتردد على الأزهر ويعاشر العلماء، وقد اشتغل في الصحافة العربية، وله خدمات اجتماعية، وهو من مؤسسي جمعية الشبان الحجازيين الخيرية في مصر، وخلال إقامته فيها ذهب إلى أوروبا مرتين للاستجمام وزار سوريا فأعجبه مناخها.
الانقلاب الهاشمي: ولما وقع الانقلاب الهاشمي واستولى السعوديون على الحجاز، كان المترجم وجماعته من مؤيدي الهاشميين، يقاومون الحركة السعودية، وقد اشتركوا في ثورة ابن رفادة، وكانت جمعية الأحرار الحجازيين تقوم بالدعاية للهاشميين، ولما أصدر الملك ابن سعود العفو العام أصدر بياناً يدعوه وجماعته للعودة إلى أوطانهم فيما إذا كانوا مخلصين لقوميتهم للتفاهم، وليروا بأعينهم أعماله الإصلاحية، ولهم الحكم بعد ذلك، وإن كانوا يعملون لمصلحة الهاشميين فالله المستعان عليهم.
عودته إلى مكة: واستجاب لنداء الملك السعودي ورجع إلى مكة بتاريخ 13 مايس 1926م، وتشرف بمقابلة جلالته في مجلس خاص وآمن بعظمته، واتصل بالعلماء وأفهمهم الحقائق، وأن كل ما يقال عن السعوديين وأعمالهم كان افتراء ودعايات باطلة، وكان المترجم يود العودة إلى مصر لمتابعة أعماله الخاصة، إلا أن جلالة الملك رغب أن يبقى في مكة، فعينه عضواً في مجلس الشورى، وبقي في وظيفته حتى تموز سنة 1948م، ثم عين وزيراً مفوضاً فوق العادة لدى حكومة الباكستان، ثم أصبح سفيراً بعد رفع المفوضية إلى سفارة، وبقي إلى سنة 1955م حيث أعفي من الخدمة بناء على رغبته لمرض قلبه.
مؤلفاته: ألف: 1 ـ تفسير الخطيب المكي، وقد ظهر منه أربعة أجزاء يبحث في اللفظ بأسلوب جديد. 2 ـ رسالة جوهر الدين وقد ترجمت وطبعت بعدة لغات أخرى. 3 ـ مناجاة لله (أول وثان). 4 ـ سيرة سيد ولد آدم، بالإضافة إلى مجموعـة مـن الرسائـل باللغـة الأورديـة، ومحاضرات الخطيب بالمسجد الحرام. 5 ـ مؤلف ديني ضخم بعنوان (أسمى الرسالات). 6 ـ الإمام العادل وهو في جزأين، يبحث عن تاريخ آل سعود، 7 ـ ومستقبلك في يدك وهو في ثلاثة أجزاء.
مواهبه الأدبية: كان منذ صغره ولوعاً بنظم الشعر، ولما أقام في مصرتوسع في نظم القريض، وأول شعر نظمه كان في مناجاة الله سنة 1938م وأذاعها من محطة الإذاعة المصرية ونالت الاستحسان، ثم نظم نهج البردة، وهمزية الخطيب، وسيرة سيدنا آدم بألفي بيت، وتائية الخطيب بخمسة آلاف بيت في سر تأخر المسلمين، وحكمة التشريع الإسلامي، ومبادئ الإسلام وغاياته، وهذه قصيدة من شعره البليغ وقد عارض فيها نهج البردة، نقتطف منها بعض أبياتها:
أمن تذكر بيت الله والحرم | ووقفة بخشوع عند ملتزم |
جرت دموعك فوق الخد منبئة | عما بقلبك من خوف ومن ندم |
وقد ذكرت ليال قد عصيت بها | مولاك جهراً ولم تحذر من النقم |
فلم يجازك إلا بالجميل وقد | والى عليك جليل الفضل والنعم |
فصرت تشعر وخزاً من ضميرك لا | يزول عنك وتخشى النار من أمم |
أم أنه الحب قد طارت شرارته | إلى الفؤاد فأضحى منه في ضرم |
وقد سرت ناره بين الضلوع فمذ | تأججت جارت العينان بالسحم |
فما لقلبك خفاق كذي وجل | وما لجسمك منحول كذي هرم |
أتحسب الحب لذات تهيم بها | بلا اصطبار على الأهوال والقحم |
وتذرف الدمع لاستجداء مرحمة | من المحب وهذا منتهى الوهم |
إذ البكاء دليل منك عن خور | وذا ينافي صفات الصب ذي الشمم |
وكذبتك شهود الحال قائلة | من يبتغي الوصل لم يعشق ولم يهم |
فكيف تبغي انتساباً للألى عشقوا | وأنت تجهل ما في الهجر من حكم |
لولا الصدود لما أدركت طعم هوى | يا مدعي العشق أقصر فيه واحتشم |
نعم هو الحب لذات مخلدة | لا يعتريها ذبول قسط من سأم |
سيان وصل وهجر لا يؤثر في | نفس المحب ولا يشكو إلى حكم |
احذر مغبَّته واحفظ كرامته | وإن رأيت محبًّا صاح فاحترم |
يا من جهلت الهوى ما الحب عاطفة | نفسية يرتجيها كل ذي نهم |
وإنما الحب معنى ليس يعرفه | غير المحب سليم الذوق والشيم |
والحب يحلو بتعذيب وفرط جوى | ولو تهدمت الأجسام بالسقم |
والحب سعد لمن يدري حقيقته | ويملك الصبر رغم السهد والألم |
والحب يشهد بالعليا لصاحبه | ويحسن الحال والأخلاق في الأمم |
والحب خير علاج النفس يصلحها | عند التمرد يصليها فتستقم |
والحب خير شفيع لا يرد إذا | كان الخليل به أدرى وذا كرم |
لقد تشعبت مواهبه في نواح عدة، فهو مؤلف وشاعر، وناثر وخطيب، وعالم لوذعي جليل، يدل على ذلك قدرته على تفسير آي الذكر الحكيم التي لا يقدم عليها إلا أفذاذ العلماء، ومن أبرز سجاياه صدقه وإخلاصه للسدة السعودية.
أحواله الخاصة: يتحلى المترجم بالأخلاق الفاضلة، والمعشر الأنيس، يهوى معاشرة العلماء والأدباء، وله مكانة اجتماعية بارزة في البلاد الشرقية، وقد أولع في إشادة العمارات، وصارت له فيها خبرة وافية، وتوسعت أحواله المادية بسبب بيعها ومواصلة البناء أثناء وجوده في مصر، وله عمارة في القاهرة وثلاث عمارات في جدة تدر عليه مورداً كبيراً ثابتاً، وقد فضل السكنى في دمشق، فبنى بين ربوع دمر ودمشق قصراً منيفاً يستقبل به ضيوفه ويرتاده العلماء والشعراء والأدباء، ويلقون منه كل حفاوة وإكرام، وترتع في جنائنه ذريته المباركة البالغة ثمانية عشر مولوداً، منهم سبعة ذكور.
* * *