جاري التحميل

عبد الرحمن سلام

الأعلام

عبد الرحمن سلام([1])

الشيخ عبد الرحمن سلام

(1871 ـ 1941م)

نسبه: نزح الصبي جرجس الصدفي الكاثوليكي المذهب عام 1816م عن مدينة زحلة من أعمال لبنان قاصداً بيروت ليعلن إسلامه على يد مفتيها في ذلك الحين بدافع روحي لا صلة له بأي ترغيب أو ترهيب، وكان في سعة من العيش عند أهله وعشيرته، وبعد أن أتم ما كان يجيش في روحه من عوامل الهداية، قدَّمه مفتي بيروت إلى عائلة آل الفاخوري وأوصاهم به خيراً، وعاش في كنفهم ردحاً غير كثير حتى تعرف إلى عائلة آل سلام، فأنزلوه منهم منزلة الولد البار، وأطلقوا عليه اسم محمد سليم المهتدي سلام، وأنزلوه في سجل النفوس في مسكن العائلة، وزوجوه من ابنتهم (خولة)، عمه المغفور له سليم علي سلام، فأنجب منها أربعة ذكور وأربع بنات، كان أحدهم الشيخ عبد الرحمن سلام أحد أعلام العروبة.

نشأته: ولد صاحب هذه الترجمة في بيروت سنة 1871م، ونشأ نشأة دينية خالصة، وتلقى مبادئ علومه في معهد ابتدائي كان يديره آنئذ المرحوم الشيخ رجب جمال الدين، حتى إذا أتقن مبادئ الفقه وشيئاً من فنون اللغة العربية والقواعد الحسابية وحسن الخط انكب على المطالعة، وراح يرتاد الحلقات العلمية التي كانت تعقد في ردهات المساجد، ثم وقف مواهبه أخيراً على التخصص بمكنونات اللغة العربية وآدابها، وتعمق فيها حتى دانت له أسرارها، وأصبح إماماً ومرجعاً بمفرداتها، ولم يترك شاردة ولا واردة إلا وضمَّها إلى مجمعه الفكري، حتى لقب بفرزدق عصره.

حياته العلمية: عين في بدء حياته قاضياً شرعيًّا لبلدة (قلقيلية) من أعمال فلسطين، ثم رئيساً لكتاب المحكمة الشرعية في بيروت، ثم لأسباب عائلية انتقل إلى دمشق وافتتح متجراً لبيع الكتب والمخطوطات، وبقي كذلك حتى وقعت الحرب العالمية الأولى.

نزوحه إلى حمص: وشاء القدر أن يلهمه النزوح إلى حمص لتنعم ناشئتها بمواهبه العلمية، فعين أستاذاً لآداب اللغة العربية في الكلية الوطنية، فكان مؤلف هذا السفر التاريخي من تلاميذه الذين أسعدهم الحظ فنهلوا من ورده الصافي، وتخرج عليه الكثير من الأدباء المعروفين، وغرس في قلوب طلابه حب القومية والوطن، ولن تنسى حمص وأهلها فضائله ومكارمه.

سفره إلى القدس: وفي عام 1916م دعي إلى مدينة القدس ليكون أستاذاً للغة العربية وآدابها في الكلية الصلاحية التي أسسها جمال باشا، وبقي فيها حتى عام 1918م.

صبره واحتسابه: وقبل أن تتقلص سلطة آل عثمان جيء به إلى مدينة دمشق مخفوراً بأمر جمال باشا ليقدم إلى المجلس العرفي متهماً بتأسيس شعبة من تلاميذه الأبرار المجاهدين الذين كانوا يدعون لقيام دولة عربية خالصة، وما أن وطأت قدماه أرض دمشق حتى دخلها الأمير فيصل، فأطلق سراحه وقرَّبه منه وجعله مستشاره الخاص، وقد تمكن الفقيد أن يضم إلى لواء الثورة العربية جميع المجاهدين الأحرار، وسموه مستشارهم الشرعي، وقد أسندت إليه وظيفة مميز أوقاف سورية. وقد انتخب عندما عقد مؤتمر العلماء بدمشق نائباً لرئيس مؤتمر العلماء لسورية ولبنان.

عودته إلى التعلم: وعقب خروج الملك فيصل الأول ودخول الفرنسيين إلى دمشق انتقل من السلك الإداري إلى سلك التدريس، فعين بتاريخ 1 تشرين الأول سنة 1919م أستاذاً للغة العربية وآدابها، وأستاذاً للبيان والبديع والعروض في مدرسة التجهيز والمعلمين، واستمر فيها حتى 16 كانون الثاني سنة 1924م، وتخرج على يديه طلاب كثير نبغوا في فنون اللغة والأدب.

وفي عام 1925م حنت روحه إلى بلده بيروت، فرحل مع عائلته إليها، وعين أستاذاً مدرساً لأساتذة جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت.

في الإفتاء: وفي عام 1930م عين أميناً لفتوى الجمهورية اللبنانية حتى وافاه الأجل.

آثاره العلمية: انتخب عضواً للمجمع العلمي العربي بدمشق إبان إقامته فيها، كما انتخب عضواً للمجمع العلمي العربي اللبناني، وهذه مؤلفاته: 1 ـ شرح ديوان النابغة الذبياني. 2 ـ شرح ديوان الرصافي. 3 ـ رد في اللغة سماه دفع الأوهام بقلم ابـن سـلام، رد فيـه علـى الشـيخ إبراهيـم اليازجي صاحب مجلة الضياء. 4 ـ خزانة الفوائد وقد ضمنه أكثر من ألف فائدة في اللغة. 5 ـ كتاب المتن والمكن. 6 ـ الأذواء. 7 ـ رد على الأب نقولا غبرييل صاحب النشرة الأسبوعية حول كتاب بحث المجتهدين في الخلاف بين النصارى والمسلمين، وهو شعر يقع في أكثر من ثلاثة آلاف بيت بقافية واحدة ووزن شعري واحد. 8 ـ كتاب الصافي في علمي العروض والقوافي. 9 ـ غاية الأماني في علم المعاني، كلاهما نظماً وشرحاً.

أدبه: كان من مصاقع الخطباء، ومن أئمة اللغة العربية، دانت له قوافي النظم والنثر، إذا تحدث تفجرت ينابيع الفصاحة والبلاغة من لسانه، وقد حضر المؤتمر الإسلامي الذي عقده الملك عبد العزيز آل سعود في الحجاز عام 1926م، فكان فرقد المؤتمر بأبحاثه ومناقشاته، فلما قال الملك السعودي في إحدى المناسبات (نحن عرب قبل أن نكون إسلاماً) ارتجل الفقيد المترجم فقال:

قال عبد العزيز قولاً كريماً

والصواب الذي يقول الإمام

نحن قبل الإسلام عرب ولكن

نحن بعد الإسلام عرب كرام

كان ينفر من المزاح، وقد اشتهر أهل حماة بالمداعبات والمزاح، منه السمج، ومنه الخفيف، فقال يهجو مدينة حماة:

يقولون إن الشعر أنت أميره

فصف يا أمير الشعر حال حماة

فقلت دعوني لا نطلق نساءكم

فكم طلقت زوج لأجل حماة

ثم رضي عن حماة وأهلها فقال مدحاً:

حماة بنوها كلهم أهل طاعة

عفا لهم دانٍ ودان لهم قاصي

أشاروا إلى العاصي فأقبل طائعاً

كذا يدخل الجنات بالطاعة العاصي

وله قصائد حكمية وطنية واجتماعية وصوفية كثيرة، ومن تخميسه قصيدة ابن الفارض، ويقع التخميس في أكثر من عشرين مقطعاً، ومنها هذه المقاطع:

برق تألق أم جمالك أسفرا

أم نور وجهك لاح أم طيف سرى

حيرتني يا مؤنسي فيما أرى

 

 

زدني بفرط الحب فيك تحيرا

وارحم حشاً بلظى هواك تسعرا

يا من جعلت لي الغرام سليقة

فغدت عهودي في هواك وثيقة

امنن ودع حجب الجمال رقيقة

فإذا سألتك أن أراك حقيقة

فاسمح ولا تجعل جوابي لن ترى

سيروا بسيري في المحبة واجمعوا

جمعي وعن حالي فلا تترفعوا

وإذا انجلى لكم المحل الأرفع

عني خذوا وبي اقتدوا وبي اسمعوا

وتحدثوا بصبابتي بين الورى

صفاته: كان بحاثاً فيلسوفاً عربيًّا، ووطنيًّا مجاهداً كريماً، يهوى الصوفية ويجمع بيـن الديـن والدنيـا، يأنـف المحاباة، وينفر من مظاهر الحياة، غير هياب ولا وجل في مواقفه الحرجة، وكانت صراحته تؤلم من جبلوا على حب الملق والرياء، ومن أبرز سجاياه أنه زرع العلم والإرشاد في نفوس العباد، فكان يلقى الاحترام والإكرام أينما حل إجلالاً لقدره وعلمه.

وهو أحد أركان النهضة الإسلامية في عصره. كان كريماً متواضعاً، محبًّا للخير، جليل القدر، ذا هيبة ووقار، طريفاً في نوادره يسدد النكتة فيصيب الهدف، حاد المزاج، إذا ثار لسبب عاودته سماحته.

وفاته: وفي يوم الأحد التاسع والعشرين من شهر حزيران سنة 1941م دعا ربه إلى منازله الخالدة، ودفن بمقبرة الباشورة في بيروت، ورثاه الخطباء والشعراء، وأنجب عشرة أولاد أحدهم الأستاذ محيي الدين سلام.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 378 ـ 380).

الأعلام