جاري التحميل

عبد الرحيم العنبتاوي

الأعلام

عبد الرحيم العنبتاوي([1])
فرقد الشهداء الشاعر الفارس والمجاهد الشهيد عبد الرحيم العنبتاوي

لا أدري كيف أستطيع أن أصف للتاريخ سيرة هذا الشهيد العربي والشاعر الملهم والفارس البطل وفي المآقي عبرات تنسجم حسرة وأسى، لقد ترك لشباب الجيل الجديد عبرة وذكرى في شهامته وتضحيته، فهو رمز الوطنية الخالدة والفرقد المنير في مواكب الشهداء الأبرار.

كان يرى الوطنية فريضة كتبت على البشر، مداد رسالتها الأرواح، فجاهد بيراعه ولسانه وسيفه دون منٍّ ولا وهن.

فلما حلت نكبة فلسطين جاء إلى دمشق مع زوجته وولديه، فكانت مأساتها وحي إلهامه الشعري، ودارت رحى القتال في فلسطين ففرقت آماله في بحر خضم من اليأس، فعاد إلى الناصرة وترك فيها قرينته وولديه والتحق بجيش الإنقاذ سنة 1948م، وأبدى من ضروب البسالة والبطولة ما يفخر القلم البليغ عن وصفه، وشاء القدر أن يكتب له الخلود فخر صريعاً في ساحة الشرف في معركة الشجرة المشهورة ذوداً عن حمى وطنه المقدس.

أصله ونشأته: ولد المجاهد الشهيد عبد الرحيم بن محمود العنبتاوي في قرية عنبتا من أعمال طول الكرم في فلسطين سنة 1910م، وتلقى دراسته العالية في معاهدها، ثم سافر إلى العراق فدرس اللغة العربية وآدابها فيها مدة طويلة، ثم عاد إلى وطنه فعين مدرساً للآداب في كلية النجاح، ومن أبرز مزاياه أنه كان يشترك في كل مناسبة وطنية، وهو أحد فرسان الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936م، وساهم بالثورة العراقية التي قادها رشيد عالي الكيلاني.

شعره: كان شاعراً بليغاً، جباراً في طموحه وثورة روحه، فريداً في وطنيته المثلى، وكان بينه وبين شاعر العرب العبقري المرحوم إبراهيم طوقان مودة وإخاء، فعب من منهله الصافي كؤوس الوطنية الصادقة حتى الثمالة، وكان لتوجيهه أبلغ الأثر في إنماء شاعريته، والأمل أن تجمع نفحات شعره الرائعة، وفي غمرة من حياته الوطنية اللاهبة نظم إبان ثورة فلسطين الكبرى قصيدته الشامخة بعنوان «الشهيد»، وهي تعبر عن خلجات قلبه المفجوع وآماله وآلامه ويأسه وقنوطه.

كان يحب الموت كما يحب غيره الحياة، فإذا استعرضنا أبياتها ترى روحه الوطنية المتأججة قد أوحت إليه بشرف الشهادة في الجهاد، وضمخت أريج نبوغه عبقاً أبديًّا، قال رحمه الله:

سأحمل روحي على راحتي

وألقي بها في مهاوي الردى

فإما حياة تسر الصديق

وإما ممات يغيظ العدى

ونفس الشريف لها غايتان

ورود المنايا ونيل المنى

لعمرك إني أرى مصرعي

ولكن أغذ إليه الخطا

أرى مقتلي دون حقي السليب

ودون بلادي هو المبتغى

يلذ لأذني سماع الصليل

ويبهج نفسي مسيل الدما

وجسم تجندل في الصحصحان

تناوشه جارحات الفلا

فمنه نصيب لأسد السماء

ومنه نصيب لأسد الشرى

كسا دمه الأرض بالأرجوان

وأثقل بالعطر ريح الصبا

وعفر منه بهي الجبين

ولكن عفاراً يزيد البها

وبان على شفتيه ابتسام

معانيه هزء بهذي الدما

ونام ليحلم حلم الخلود

ويحلم فيه بأحلى الرؤى

لعمرك هذا ممات الرجال

فمن رام موتاً شريفاً فذا

فكيف اصطباري لكيد الحسود

وكيف احتمالي لسوم الأذى

أخوفاً وعندي تهون الحياة؟

وذلًّا وإني لرب الإبا؟

بقلبي سأرمي وجوه العداة

وقلبي حديد ونار لظى

وأحمل روحي على راحتي

وألقي بها في مهاوي الردى

وله قصيدة بعنوان (الشعب الباسل) تتجلى في معانيها روعة المغزى في البطولة الحقة:

شعب تمرس في الصعا

ب ولم تنل منه الصعاب

متمرد لم يرض يو

ماً أن يقر على عذاب

عرف الطريق لحقه

ومشى له الجد الصواب

الحق ليس براجع

لذويه إلا بالحراب

الصرخة النكراء تجـ

دي لا التلطف والعتاب

والنار تضمن والحديـ

د لمن تساءل أن يجاب

حكمها فيما تريـ

د ففيهما فصل الخطاب

إن لم تكن ذئباً تخا

ف فرتك أنياب الذئاب

من عاش ما بين الوحو

ش يكن له ظفر وناب

فشل الذي جعل الكلا

م مجنة تحمي وخاب

رحم الله هذا الشهيد الفرقد الذي خضب بدمه الغالي تراب العروبة، فكان مثالاً حيًّا بوطنيته وشهامته العربية النادرة.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 380 ـ 381).

الأعلام