عبد الرحيم الغزي
عبد الرحيم الغزي([1])
(1898 ـ 1946م)
هو الشاعر المتفنن، والمؤلف الروائي، والخطيب المحاضر، والوطني المخلص، الذي قضى نحبه شهيداً في سبيل الغايات المثلى وهو في سن الكهولة المبكرة، إذ كانت فاجعة وفاته خسارة للمجتمع.
مولده ونشأته: ولد المرحوم عبد الرحيم الغزي في مدينة حماة عام 1898م من أسرة متوسطة الحال، أبوه رشيد بن محمود بن محمد بن إبراهيم الغزي، وقد نزح الجد الأخير من دمشق وسكن في حماة، وكان والده حداداً، فقاده إلى كتاب أهلي تعلم فيه القرآن الكريم وجوَّده والقراءة والكتابة، ثم رغب والده في مشاركته بصناعته، إلا أن حادثاً مصادفاً غيَّر مجرى حياته، إذ بينما كان يخطب في إحدى الحفلات في بيت السيد عمر البارودي أُعجب به من كان حاضراً، وحثه صاحب الحفلة على إرساله إلى المدرسة الإعدادية حيث بقي فيها ست سنوات ونال شهادتها، ورغب الالتحاق في المدرسة العسكرية واجتاز الفحص، لكن مرض عينيه بالتراخوما حال دون قبوله، ثم دخل المدرسة السلطانية بدمشق، إلا أن مرضاً شديداً منعه من إتمام دراسته فيها، فعاد إلى حماة واشتغل بالتجارة، وعندما أعلنت الحرب العالمية الأولى وسيق الشباب جنوداً دعي المترجم لإشغال منصب مدير مدرسة ابتدائية، ثم ألغيت وأحدثت الحكومة فرعاً لإعدادية حماة التي سميت فيما بعد (بالتطبيقات)، فدعي لإدارتها، فشكل فيها ثلاث دورات (الأولى، المتوسطة، العالية)، وكل دورة كانت ذات صفين.
إلى الجندية: وبعد شهرين من بدء التدريس في هذه المدرسة ورد الأمر بسوقه في سنة 1915م إلى صف ضباط الاحتياط، فسافر إلى استانبول ودخل مدرسة الضباط، وخرج منها برتبة ملازم ثان، ولما صدر الأمر بتسريحه عاد إلى حماة، وبدأ يطرق أبواب الوظائف، فكلما تقدم إلى فحص ونجح فيه ظن أن الأمر قد انتهى، فإذا بالوساطات والشفاعات تتدخل وتمنعه من دخول الوظيفة.
في خدمة ملجأ الأيتام: ولما تأسست مدرسة ملجأ الإيتام في حماة عام 1920م عيِّن فيهـا معلمـاً، ثـم أصبـح مديـراً وعمـل على إنجاح هذا المشروع بحكمته ولباقته، وظل على رأس هذا العمل الاجتماعي الإنساني حتى وفاته، فأصبح من المشاريع الخيرية الكبيرة في المدينة بفضل جهوده مع أعضاء لجنة الميتم، وكان المترجم خلال المدة بين سني 1920م ـ 1952م يخرج الروايات التمثيلية لينتفع بريعها ملجأ الأيتام لتأمين نفقاته الكبيرة، كما شكل في الملجأ فرقة كشفية، وكان يتقدم للخطابة والمحاضرات، كما كان عضواً في النادي الأدبي، وهذه الظروف كلها جعلته مع كل الشباب الذين يهتمون بقضية الوطن من ألدِّ أعداء الانتداب الفرنسي.
وطنيته: ولما اشتعلت الثورة عام 1925م وفشلت في حماة قبض عليه وزج في السجن، حيث ذاق مع إخوانه أشد أنواع التعذيب والتنكيل، وبعد شهرين أطلق سراحه وعاد إلى عمله، ثم عهد إليه بتدريس الرياضة البدنية في تجهيز حماة، فبقي فيها بضع سنين، وتولى دائرة المحاسبة في التجهيز، فكان يشغل الوظيفتين دون أن ينفك مطلقاً عن إدارة ملجأ الأيتام، وتنازل عن راتبه وتبرع به لصندوق الملجأ، ثم نسق سنة 1933م من الخدمة وعاد إلى العمل في دار الأيتام وحدها.
الحياة الكشفية: وفي عام 1922م أسس (فرقة أبي الفداء) الكشفية، وأخرى باسم (سيد العرب)، وتشكلت النوادي الأدبية والتمثيلية، وجل أعضاء هذه النوادي كانوا متخرجين من فرقة سيد العرب.
إنتاجه الأدبي والفني: كان أديباً مطلعاً، فلقد حوى في بيته مكتبة قيمة، وكان ولوعاً بالمطالعة وملمًّا بأكثر العلوم والآداب، وكان يعرف اللغة التركية والفارسية، وملماً باللغة الفرنسية. وقد عمل في الحفل الأدبي منذ نشأته، فقد كان يخطب ويحاضر في كثير من المجتمعات، وألف عدة روايات تمثيلية أهمها (ثورة قريش)، و(طارق بـن زيـاد)، و(عمـرو بـن العاص فـي فتح مصر)، و(الرشيد والبرامكة)، وقد امتاز بأنه كان يؤلف الرواية ليمثلها أو ليخرجها، كما أنه أخرج كثيراً من الروايات، أشهرها عدا الروايات التي ألفها روايات قيس وليلى، ومصرع كليوبترا، وعنترة، وكلها للشاعر أحمد شوقي، كما أنه كان يؤلف فصولاً كثيرة ليخرجها على مسرح ملجأ الأيتام من قبل الأطفال أثناء الحفلات المدرسية.
شعره: كان ينظم الشعر في المناسبات الخاصة، وقد ضاع شعره ولم يبق منه إلا شـيء يسـير، لأنـه مـا كان يحاول جمعه في ديوان، وفي خلال رحلته إلى مصر 1945م مرَّ بوادي خالد ووادي اليرموك، فجاشت في خاطره ذكرى أمجاد العرب الفاتحين، وجادت قريحته بهذه القصيدة البليغة، وفيها عبرة وعظة:
وادي الشريعة واليرموك أذكرني | يوم الفتوح وعهد المجد للعرب |
مرحى لخالد قاد الحرب طاحنة | ودمَّر الروم بالصمصامة القضب |
وسلَّم الدار للأجيال تحفظها | من العدو بجيش مؤمن لجب |
لكنها قد أضاعت ما تأمله | وأولعت زمناً باللهو واللعب |
ما أمة أهملت أمجاد سالفها | وقلدت غيرها بالتيه والعجب |
إلا سقتها الليالي كأس علقمها | وأتبعت كأسها بالذل والعطب |
قد آن للعرب أن يحيوا بنهضتهم | ويحكموا عروة الإخلاص بالنسب |
الدار للعرب، ما للغرب يحكمها | ويعزل الشعب من سيف ومن سلب |
أيا شباب خذوا لليوم عدته | ما فاز بالسبق إلا صاحب الأرب |
حيوا الرجال إذا قاموا بواجبهم | وأنقذوا هذه الأوطان من نصب |
فاجعة وفاته: وفي عام 1946م تلقى رسالة من اللجنة التنفيذية لكشاف سوريا تدعوه فيها لحضور مؤتمر مفوضي كشاف سوريا بدمشق، فركب في صباح يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر أيلول سنة 1946م سيارة صديقه المهندس لطفي السعيد ترافقه زوجته وابنته الصغيرة وصديقه المرحوم محمود جمال الدين وولده جمال، وعند المكان القريب من سهل عدرا القريب من دوما المسمى (بقبة العصافير) تدهورت السيارة براكبيها، وقتل فيها صاحب هذه الترجمة وزوجته وصديقه محمود جمال الدين، وحمل نعشه إلى حماة في اليوم الثاني: الخميس السادس والعشرين من شهر أيلول سنة 1946م ودفن فيها.
* * *