جاري التحميل

عبد السلام الأتاسي

الأعلام

عبد السلام الأتاسي([1])

المرحوم عبد السلام الأتاسي الحمصي
أصغر شاعر وفنان طوت نبوغه ريب المنون

وحسبك أن تعلم أنه انحدر من أصلاب كريمة وتثقف في مهد العلم والفضائل، أفل نجمه إلى عالم الخلود وهو هلال لم يكتمل بدراً، فويل للدهر كم جرع النوابغ كؤوس المآسي والنكبات، فضن عليهم بنعم الحياة، فمنهم من أتم رسالة نبوغه ومنهم من قطع المنون حبل حياته، فقصى نحبه ولم يسعد المجتمع بمواهبه، وصاحب هذه الترجمة هو أصغر نابغة قصف المنون يانع غصنه الرطيب، فكانت حياته قصيرة الأجل كالنحلة الأصيلة التي ترشف من أطايب الأزهار والرياحين أريجها الفواح لتقدم جناها شهداً وبلسماً للقلوب.

هو المرحوم عبد السلام بن العلامة المرحوم محمد عبد الستار الأتاسي، وهو الشقيق الأكبر للمرحوم خالد والد السيد هاشم الأتاسي، لقد بذلت جهداً مضنياً في الوصول إلى آثاره الشعرية، وهي مفقودة لدى أسرته، وزادني رغبة في البحث والتنقيب عنه فاجعة موته وهو في التاسعة عشر من ربيع عمره، بزغ نجم هذا الفتى النابغة في حمص سنة (1245ﻫ ـ 1826م)، ونشأ في بيئة ثقافية بين الأكرمين من نوابغ هذه الأسرة الكريمة الحمصية، ولو كتب الله لصاحب هذه الترجمة الحياة لكان له شأن وخلود.

شعر الفتى النابغة: لقد أسعدني الحظ فعثرت بين مجموعة خطية قديمة على موشحين من نظم الفقيد، وهما بعض شذرات من نبوغ مكنون تناثرت ذراته في الأرجاء بعد أن طوى القدر صاحبه فضاعت آثاره، كانت مراحل عمره في الحياة كعمر الورود العبقة، فإذا ذبلت فقد فاح عرفها وتعطر لسان الكائن الحي بشذاها، وإني أقدم لأسرة الأتاسي وللقراء الكرام هذين الموشحين البديعين، وهذا موشح من نغمة الحجاز:

قد لذ لي سكري

حيث الصفا فينا

والكأس كالبدر

والحب ساقينا

يا أهيف القد

قد ذبت من وجدي

فاكفف عن الصد

لطفاً وناجينا

صيرتني فطنا

في حسنك الأسنى

عن ذاتك الحسنى

لا أنثني حينا

الحب لي حاكم

في لحظة الصارم

والبعد لي سالم

حقًّا ولا حينا

والموشح الثاني من نغمة النوى:

كم سبا باهي المحيا

فرقداً حول الثريا

فرقداً للركب يهدي

كم سنا للشمس يهدي

خده العطري وردي

كم حوى ورداً جنيَّا

يا ندامى ذاب لبي

في الهوى وجداً بحبي

من مجيري حان سلبي

من عيون نرجسيا

يا مليحاً قد تثنى

جد بوصل لي ومنه

وانف للأتراح عنا

واجل لي كأس الحميا

قدُّه إن ماس يذري

لين خيزور وسمري

أيها العشاق عذري

فانظروا حسناً سنيّا

سيف لحظيه أثار

في الهوى حرباً وحار

غيدها هاروت حارت

في لحاظ جؤذريا

يا لقومي من مجيري

من جفا الظبي الغرير

وفاته: كان رحمه الله بكر أبيه وقره عينه، فرح بعرسه، ولكن المنية عاجلته في أجله المحتوم سنة (1264ﻫ ـ 1845م)، فقضى في الحياة الدنيا تسعة عشر عاماً مرت كريح الصبا وعمر الورود، وكانت مصيبة فقده تجل عن الوصف وتفوق العزاء والرثاء؛ إذ لم يمض على قرانه إلا فترة وجيزة، ولم ينجب ولداً، واستقبلت أرواح البررة النوابغ روح أصغر شاعر فنان بينهم ـ وصغير القوم خادمهم ـ ليدير عليهم كؤوس الصفا من خمرة التوحيد الإلهي في دار الخلود.

فسلام عليك أيها الشاعر الفتى يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيًّا.

*  *  *

 



([1] (أ) (1 /37 ـ 38).

الأعلام