عبد العزيز الرفاعي
عبد العزيز الرفاعي([1])
(1923م)
مولده ونشأته: هو الشاعر الموهوب الأستاذ عبد العزيز بن أحمد الرفاعي وهو من أسرة منسوبة شهيرة، ولد بمكة المكرمة سنة 1342ﻫ ـ 1923م ونشأ بها، وبعد أن أكمل دراسته الابتدائية التحق بالمعهد الإسلامي السعودي وتخرج منه، ثم انتسب إلى الوظيفة، فأشغل عدة وظائف راقية، كان فيها مثال الجد والإخلاص والعمل المثمر، وتولى مديرية القسم السياسي بديوان رئاسة مجلس الوزراء، وله مكانة اجتماعية مرموقة لما يتحلى به من أخلاق فاضلة وكفاءة ولباقة.
مواهبه الأدبية: هو شاعر موهوب، عميق التفكير، ذو قريحة فياضة، جم التواضع، يهوى الهدوء، وقد نشر قصائده البديعة في مجلة الأديب وغيرها، ذاع صيته في الأوساط الاجتماعية الأدبية، وقد انتدب 1955م بتكليف خاص من صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل وزير الداخلية بالمملكة العربية السعودية لحضور مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بيت مري بلبنان، فقام بواجبه، وكان له في المؤتمر مواقف رائعة تدل على أدبه الجم.
له ديوان مخطوط طرق فيه شتى الأغراض، ونأمل أن يتفرغ لإخراجه إلى ميدان الأدب، ليطلع القراء على مواهبه الأدبية اللامعة، فهو أحد أركان النهضة الثقافية والأدبية، ورغم مشاغله المسلكية فإنه لا ينقطع عن الدرس والبحث ونظم القريض، وهو من الشعراء الذين تولوا توجيه النشء إلى حب الوطن والقومية العربية.
وهذه قصيدة مختارة من شعره بعنوان (صبارة) ـ وهي نبت معروف بعدها عن الماء أشهراً طويلة ـ تدل معانيها على قوة التركيب ببلاغة تستهوي النفوس، قال:
لا تأبهي للحادثا | ت، ولا تذلي للزمان |
صولي بسيفك، وارهفي | ـ بلباقة ـ حد السنان |
جري القتاد على الحوا | دث، وافرغي مر القنان |
وإذا تضن السحب بالسْـ | ـسح الغزير من الهتان |
واخشوشنت منك الجذو | ر على عروق من صوان |
وتجهم الصخر الأصمْـ | ـم، وهل درى معنى الحنان؟ |
وجفتك أنفاس الربيـ | ـع، وكان مخضوب البنان |
والطير مرَّ على قفا | رك مر محصور البيان |
إلا الغراب، فقد يطلْـ | ـلُ عليك مشؤوم اللسان |
لا سامرٌ إلا عوا | ء الذئب، يجثم في القنان |
والثعلب المكار يز | حف حاذراً كالأفعوان |
والبدر مشغول الفؤا | د بحب أتراب حسان |
والنجم، إن النجم تعـ | ـشقه، فهنَّ له روان |
ويخفن أن يهوي على الـ | أرض الجميل من الغواني |
والسلم مشدود الوثا | ق، على الثرى الظمآن عاني |
وإذا بحثت على الجديـ | ـب عن الظليل من الأمان |
وعن الحنان الثرِّ، عن | خضر الرياض، عن المغاني |
فرمتك نائحة الريا | ح، بكل سوداء المعاني |
حملت سموم النار طلـ | ـقاء الأزمة والعنان |
وسمعت من بين الضجيـ | ـج نعيَّها بيض الأماني |
لا تأبهي كوني كصلـ | ـد الصخر ثابتة الجنان |
كالريح تهزأ بالربا، | بالدوح ذات العنفوان |
كالقفر مرَّ به الزما | ن فما درى خطو الزمان |
بل ابسمي نعم ابسمي | وأخفي الشقاء عن العيان |
وعلى ممر الدهر كو | ني في بهيِّ الطيلسان |
لوذي بصبرك وارقبي | في الأفق مانعة المجاني |
أنت العزاء لقلبي الـ | ـملتاع في مر الزمان |
إن المرارة في كيا | نك، وهي تعبث في كياني |
* * *
الصبر من شيم الكرا | م، إذا تناءى عن جبان |
والمعدن الصافي الأصيـ | ـل يظل مرموق المكان |
وهذه نفثات من شعره، وقوافي الشاعر تمثله، وتدل على ما في جوارحه وجوانحه، قال:
سألت القلب عن دنيا | ه ما دنياك يا قلبي؟ |
فهذي ضجة الحرما | ن، تلذع نارها جنبي |
وهذا موكب السعدا | ء، يزحم ركبه دربي |
لكم أزرع آمالي، | فما أجني سوى جدبي |
* * *
أحسُّ دبيب أيامي، | تسارعني إلى النحب |
وشمس شبابي المحرو | م، قد مالت إلى الغرب |
أحسُّ بقوة الهجرا | ن تذرو ناضر الحب |
أحسُّ بوحشة الأيا | م، والأحلام، والصحب |
أحسُّ بأن أغلالاً | يضيِّق قيدها رحبي |
تمر مواكب النعمى | وأشهد فرحة الركب |
وما حظي سوى ما شا | هدت عيناي عن كثب |
وأسأل نفسي الحيرى، | ترى يا نفس ما ذنبي؟ |
* * *
لقد أشفق محروم | بأن يلقاك يا ربي |
فتبدو لهفة الحرما | ن في جناتك الغُلب |
فهيئه إلى نعما | ك، وامسح لهفة السغب |
إذا مست يدا رحما | ك إجدابي، فذا حسبي |
وسيكون لهذا الشاعر الطموح أثر كبير في ميدان الأدب؛ لما اتسم به أسلوبه الشعري من لفظ مختار وخيال خصيب.
* * *