جاري التحميل

عبد الغني الجندي

الأعلام

عبد الغني الجندي([1])

الشاعر المبدع والفنان الألمعي المرحوم الشيخ عبد الغني الجندي الحمصي

هو المرحوم الشيخ عبد الغني بن المرحوم محمد بن المرحوم الشيخ أمين الجندي الشاعر الحمصي المشهور، ينحدر بنسبه إلى الأرومة العباسية، بزغ هذا النجم في سماء الأسرة بحمص سنة 1845م ونشأ بكنف والده على الصيانة والفضائل، تلقى العلم عن علماء عصره في حمص، ثم مكث بدمشق مدة طويلة فأخذ عن كثير من أفاضل العلماء وتبحَّر في الفروع والأصول فكان آية باهرة، ولعمري لا يستعظم ذلك فهو خليفة جده العظيم المرحوم الشيخ أمين الجندي الشاعر الصوفي المشهور فضلاً وعلماً وذكاء ونبلاً.

شعره: تثقف الفقيد في دوحة الفضل والعلم، واستقت قريحته من منهل جده العبقري المنهل العذب، فهو فيض النهر والغدير من ذلك البحر الكبير، كان رحمه الله كاتباً بليغاً وشاعراً قويًّا مجيداً أخذ برقاب القوافي، وورد منها المورد الصافي، كثير الاتصال بالعلماء والشعراء والأدباء، له مساجلات شعرية ومحاضرات أدبية عذبة ندية، ومن شعره الرصين قصيدة امتدح بها علامة حمص المرحوم حافظ بن عبد الرحمن الجندي لما وجه منصب الإفتاء إليه عام (1292ﻫ)، نقتطف منها هذه الأبيات:

هزار الأنس والإيناس غرد

وها بدر السعود لنا توقد

ومنها:

وناداها منادي الأمن قري

ببيت ابن الحسين فذاك أوحد

فما اختارت سوى شبل لليث

نعم هو حافظ العهد الممجد

وقد شرفت به تلك الفتاوى

كما شرفت تهامة في محمد

فنه: كان رحمه الله عليماً بالفن والتلحين والإيقاع، وله موشحات بديعة النظم والتلحين انطمس ذكرها، فقد طغت شهرة جده الشيخ أمين الجندي فنسبت إليه، ولا غرابة في ذلك فقد طمست عبقرية أبي العلاء المعري آثار الشعراء من أقربائه وطغت على مآثرهم.

لقد ضاعت آثار الفقيد الأدبية بسبب إهمال جمع ديوانه، وتناثرت قصائده وموشحاته في كل بلد، فلم يبق منها إلا ما احتفظ به المعجبون بفنه ورصانة شعره في صدروهم وما نقلوه في كتبهم، وبحثت عن صورته فلم أظفر بها لندرة الرسم وعدم إقبال الناس على التصوير في ذلك العهد، وله موشح رائع نظم مقاطعه على ألحان متعددة:

حسانٌ قد عقلن العقل مني

فكدت من النحول بهن أفقدْ

مريضات الجفون مخضبات

أناملهن من كبد تكبَّدْ

بروحي يا نديمي كاس راحٍ

يلوح مشعشعاً في كف أغيدْ

يكاد يذوب من لطف إذا ما

ثنى خصراً نحيلاً كاد يعقد

بدا بدراً وماس لنا قضيبا

وغنى بلبلاً وسطا مهنَّد

تنزه في الجمال وجلَّ حسنا

عن الحور الحسان وقد تفرَّد

يدير لنا عقيقاً في لجين

ويسكرنا بترياق مبردْ

ويخفينا بليل سواد فرع

ويبدينا بفرقٍ فلق فرقد

ويمنحنا بنيل نوال ثغرٍ

وينعشنا بخدٍّ قد تورد

ومنها:

مهاة حيث أبكار الغواني

وُلعنَ بحسنهن وهنَّ خُرَّدْ

فضحن السمر ليناً في قدودٍ

وأخجلن الغصون وهنَّ مُيَّدْ

وأسبلن الشعور على خصور

تحاكي بالقنا جسداً تجلد

وأوقعن العقود على نهود

فؤاد العاشقين لها تنهد

ثم ختم القصيدة بقوله:

وما عبد الغني الجندي نادى

هزار الأنس والإيناس غرَّد

مدى الأيام ما قد قيل أرخ

فخارك صافح العلياء سؤدد

أحواله وأوصافه: كان ذا ثروة موروثة، وتعاطى التجارة فنمت موارده، كثير المواصلة لأرحامه، يضرب المثل بقوة حافظته وطلاقة لسانه، لين الجانب، ظريف المعشر، لطيف الطباع، عظيم الهيبة والوقار، بهي الشكل، فهو فرع لحق في النجابة أصله.

وفاته: وفي سنة 1900م انتقل إلى رحمة ربه وهو في سن الكهولة، ودفن في مقبرة أسرته بحانب قبر جده الشيخ أمين الجندي، وأعقب ولداً سماه (أميناً)، أسبغ الله عليهما الرحمة والرضوان.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 43 ـ 44).

الأعلام