جاري التحميل

عبد الغني الرافعي

الأعلام

عبد الغني الرافعي([1])

الشيخ عبد الغني الرافعي

(1816 ـ 1890م)

مولده ونشأته: هو العلامة الكبير الشيخ عبد الغني بن الشيخ أحمد بن الإمام الشيخ عبد القادر الرافعي الفاروقي، ويتصل نسب هذه الأسرة العريقة بالدوحة الفاروقية العمرية، ولد في طرابلس سنة 1232ﻫ ـ 1816م، ونشأ في حجر والده وحفظ القرآن الكريم، ولما انتشى أخذ أكثر العلوم وفنون الأدب عن علماء طرابلس.

دراسته بدمشق: رحل إلى دمشق وأخذ عن مشاهير وأجلاء علمائها شتى العلوم، ثم توجه لأداء فريضة الحج وقرأ على أعلام مكة وأجازوه، رذاع صيته في الآفاق.

عودته إلى طرابلس: عاد إلى وطنه وسلك الطريقة الخلوتية، ولازم بعد ذلك قراءة الدروس ونشر علوم الدين والأدب والتصوف، وتخرج على يده كثير من النوابغ، كالشيخ إبراهيم الأحدب نزيل بيروت وغيره.

في خدمة الدولة العثمانية: خدم الدولة في جملة وظائف علمية وعدلية دون أن يترك دروس العلم، فكان كلما حل ببلدة يحيي بها العلم، ويحضر دروسه علماؤها، وكانت آخر وظائفه رياسة محكمة استئناف الحقوق والجزاء في صنعاء اليمن، وعاشر علماء الزيدية وناظرهم، ورأى ما لم يكن يعرف من المصنفات في خزائن عاصمتهم، واشتهر بفضله وعدله وتقواه.

طريق الصوفية: ثم غلب عليه التصوف في آخر عمره فترك وظائف الحكومة وانقطع للعبادة، وقد سلك طريق الصوفية بالمجاهدة العلمية، دون الرسوم والمظاهر الصورية.

أدبه: كان سريع الخاطر في النظم لا يتكلف إليه كبيروفت، وقد روض يراعه في ميداني النثر والنظم، وكان آية في الذكاء والهمة والمضاء، واشتهر عنه أنه قرأ كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي ثلاثين مرة، فكان كاتباً يستخرج الدرر من أعماق البحور، كما كان شاعراً ينظمها كالعقود في نحور الحور.

شعره: ومن طرائف شعره في المديح النبوي قوله:

لفتات الظباء من سفح رامة

قد أثارت من الفؤاد غرامه

ووميض البروق من نحو سلع

أقعد الشوق في الحشا وأقامه

كلما لاح بارق من حماكم

قابلته أجفانه بغمامة

وإذا جال فكره في لقاكم

مال سكراً له بغير مدامة

سفره إلى مصر: وصدف أن كان صاحب هذه الترجمة في مصر أيام أفراح أبناء الخديوي إسماعيل فهنأهم، ومدح الخديوي بقصيدة التزم بها النوع البديعي المسمى بالتخيير، وبناها على سبع قواف، وكان له احترام كبير في مصر، حتى إن رئيس الوزراء إذ ذاك المرحوم رياض باشا كان معجباً بفضله، فكلفه لمنصب الإفتاء في الإسكندرية فاعتذر بعدم إمكانه ترك وطنه، وهذه نبذة من قصيدته الرائعة:

أما وأياديك الكرام المواهب

لأنت بهذا الدهر أكرم واهب

ومنها:

ولما سألت الشعر مدحك أقبلت

علي القوافي بالمنا والرغائب

فنظمت منها في مديحك سبعة

تسير بأفلاك الثنا كالكواكب

وخاطب بعض الولاة في وعد لم ينجزه له بهذه القصيدة المهملة إشارة إلى إهمال الوعد، وهي طويلة نقتطف منها هذه الأبيات:

هل لعهد الوارد والوصل رد

أو لعصر مع الملاح مرد

أو لدار العلوم والدرس عود

ولدهر أسا إلى الحر حد

ومنها:

وعدوه وعداً أطالوا مداه

آه لو أسعد الموله وعد

أحلال دم المولّه لما

أسلموه عمداً لما هم أعدوا

مهمه مهلك ودار دمار

ومحل محل وكدح وكد

حائراً ساهراً لمسِّ هموم

كل أحواله دموع وسهد

ما له موئل سوى حلم والـ

حلم واسع ومسعاه سعد

سفره إلى الأستانة: وسافر من مصر إلى استانبول، وقد أوصى الخديوي إسماعيل باشا ربان السفينة أن يأتي منه بكتاب يشعر براحته في سفره، وقد نظم مقامة بعنوان (المقامة البحرية) يصف بها رحلته الطريفة بنثر بديع بليغ، وقد لقي من الحفاوة والتكريم الشيء الكثير أينما حل ورحل.

كان ممن يفضل جمال الأخلاق على جمال الذات، وله في ذلك قصائد بديعة، منها قوله:

أسكرتني بلطفها الصهباء

فليقل من يلومني ما يشاء

أنا صب أهوى الملاح وحظي

منهم اللطف في الهوى والذكاء

وحبيبي من الحبيب المعاني

والمعالي لا الصورة الحسناء

واصطفائي روح الجمال وغيري

لكثيف الأشباح منه اصطفاء

قد شجاهم برق الحمى وشجاني

در ثغر عنه تبدى السناء

وعناهم رمز العيون وإني

بمعاني الرموز مني اعتناء

صفاته: كان من أزهد الناس في الدنيا بقلبه، وأصدقهم توكلاً على ربه، ومن أشد الناس تواضعاً للفقراء والمساكين، على كبر جاهه ورفعة مقامه عند الحكامالمتكبرين، وقد ورث كل نجل من أنجاله ما شاء الله أن يرث من شمائله وخلاله، واقتبس من أدركه منهم من معارفه وأدبه وحكمته ما هو مستعد له بعقله وذوقه وغريزته.

وفاته: انتقل إلى رحمة ربه وهو في مكة المكرمة، فقد اجتاحه الهواء الأصفر يوم الإثنين رابع عشر ذي الحجة سنة 1308ﻫ وتموز 1890م، وقد تبارى الشعراء في رثائه، من أجلهم العلامة الشهير المرحوم الشيخ حسين الجسر، ومطلع مرثيته:

خطب له ركن هذا الدين قد صدعا

وحادث منه قلب الفضل قد خلعا

أنجب ثلاثة أنجال، وهم: المرحوم محمد كامل الرافعي، وقد كان من أهل العلم والبحث في الثقافة الإسلامية، والشاعر العبقري المرحوم عبد الحميد الرافعي، والشاعر الملهم فضيلة الشيخ عمر تقي الدين الرافعي مفتي طرابلس.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 301 ـ 302).

الأعلام