جاري التحميل

عبد الفتاح الطرابيشي

الأعلام

عبد الفتاح الطرابيشي([1])

(1858 ـ 1912م)

هو عبد الفتاح بن محمد أمين بن عبد الفتاح بن محمد أمين بن عبد الكريم ابن يوسف بن محمد دخيل المشهور بالطرابيشي، ولد في محلة السفاحية بحلب سنة 1277ﻫ 1858م، ونشأ ملمًّا بالقراءة والكتابة، وفي العشرين من عمره حفظ القرآن العظيم في مدة ستة أشهر لكثرة ذكائه وقوة حافظته ولازم شيوخ عصره فأخذ عنهم المقدمات النحوية وخالط العلماء والأدباء، وبدأ ينظم الشعر، وجمعه في ديوان حافل، يغلب على شعره التغزل والهجو وهو في هجوه أحسن منه في تغزله وقد أكثر في شعره من التشطير والتخميس والتطريز للأسماء، ومن بديع تخميسه لرائية أبي فراس الحمداني:

أرتني وجهاً دونه الشمس والبدر

وثغراً به تزهر اللآلئ والدر

وقالت قلبي لا يزعزعه الهجر

أراك عصي الدمع شيمتك الصب
ر

أما للهوى نهي عليك ولا أمر

فإن شؤون الحب وجد وروعة

وسقم وتبريح وشوق وفجعة

فقلت ولم تعثر بعيني دمعة

بلى أنا مشتاق وعندي لوعة

ولكن مثلي لا يذاع له سر

فديتك قلبي كم أضر به الجوى

وما ضل عن نهج الغرام ولا غوى

ولست شديد الحبل بالحب والقوى

إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى

وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر

فكم أذكرتني من أحب نوائحي

وأجرت عيوني من دموع سوافح

وللغيد إن حنت وأنت جوانحي

تكاد تضيء النار بين جوانحي

إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

ألا من لصب قد أطالت ديونه

مهاة ولم تصلح بوصل شؤونه

أقول لها والسقم أبدى شجونه

معللتي بالوصل والموت دونه

إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر

جمالك يا ذات المحاسن دلني

على حسن لطف بعد عزي ذلني

ومن أجل حب في هواك أعلني

بدرت وأهلي حاضرون لأنني

أرى كل دار لست من أهلها قفر

وإني فتى قد شاع في الناس فضله

وفاق على الآفاق بالكون أصله

وأنى لهم إبعاد مثلي وفصله

وقائم سيفي فيهم اندق نصله

وأعقاب رمحي منهم حطم الصدر

تركت أهيل الحي مذ بان صدهم

وقاطعتهم لما تشاءم ودهم

فلا تفتكر مهما تعاظم عدهم

ستذكرني قومي إذا جد جدهم

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

وسوف يعض الدهر صاح بنابه

عليهم ويسقيهم كؤوس مصابه

وليس لهم غيري أرد عذابه

ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به

وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر

فهيهات أن يأتي الزمان بمثلنا

رجالاً تخاف الأسد في يوم حربنا

فنحن كرام نلقى بالبشر بيننا

ونحن أناس لا توسط بيننا

لنا الصدر دون العالمين أو القبر

فليس مدى الأيام نلوي رؤوسنا

لنذل ولا نرضى لئاماً تسوسنا

وإن بالوغى للفخر نادت عروسنا

تهون علينا بالمعالي نفوسنا

ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر

لقد بات منا الفضل في سائر الملا

وأصبح شمساً للنواظر يجتلى

ولم لا وإنا بالمفاخر والولا

أعز بني الدنيا وأعلى ذوي العلا

وأكرم من فوق التراب ولا فخر

أوصافه: كان مربوع القامة، نحيف الجسم، أسمر اللون، أحولاً، خفيف الروح، له حانوت في سوق العطارين يتعاطى بيع الطرابيش فيه، ولحسن محاضرته وسرعة أجوبته كان يؤمه عشاق الأدب، وكان يغلب في محاضراته المجون، ولا يلقي بالاً لما يصدر منه، ولذلك كثرت هفواته وسقطاته، ومن العجيب أنه لم يعمل بمقتضى أبياته بل كان يتناول أم الخبائث، فأثرت في جسمه تأثيراً بيناً، وزادت في نحافته، ثم ساقته إلى مرض الفالج، وذلك في سنة 1911م، فلزم الفراش وأضاع في مرضه حواسه، ولم يزل يقاسي آلام السقام إلى أن سقته المنية كأس الحمام، وذلك ليلة الثلاثاء في الحادي عشر من شهر محرم سنة 1330ﻫ و1 كانون الثاني سنة 1912م، ودفن في تربة باب المقام، وعاش عزباً، وذكر المؤرخ الأديب قسطاكي الحمصي في كتابه (أدباء حلب) أنه توفي سنة 1331ﻫ، والصواب هو ما ذكر بعد أن تحققت ذلك.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/27 ـ 29).

الأعلام