جاري التحميل

عبد القادر الجزائري الحسني

الأعلام

عبد القادر الجزائري الحسني([1])

فارس الأمة العربية المرحوم الأمير عبد القادر الجزائري الحسني

هو فارس الأمة العربية الذي قاد الجيوش العربية وحارب فرنسا مدافعاً عن بلده الجزائر مدة تنيف عن الخمس عشرة سنة، هو الأمير الشجاع الذي كان يلقى العدو وهو في طليعة الجيش، وخاض غمار المعارك المشهورة في مواقع (خنق النطاح) الأولى والثانية، وبرج رأس العين، والمقطع وغيرها، هو الأمير الذي صمد أمام جيش مؤلف من مئة ألف جندي فرنسي، فكان اسمه يلقي الرعب في قلوبهم، هو الأمير الذي تواطأ العدو مع جيرانه على خذلانه، فضعف أمره أمام جيش أكبر دولة محاربة بعد أن توالت النجدات على أعدائه مع فيض من السلاح والذخيرة، هو الأمير الأبي الذي لم ير نفسه مغلوباً إذ استسلم لعدوه بشروط أملتها كرامته وعزة نفسه، فخرج من ديار آبائه بأهله وحاشيته بقلب فياض بالعزيمة والإيمان، هو العالم والشاعر العبقري الذي طاول الثريا علمه وأدبه، هو الأمير الذي يتصل نسبه بالأرومة الحسنية، فكان ركن التالد والطارف، وسيداً ونبيلاً بخصاله وفضائله، فما أعظمه مفقوداً، وما أكرمه حيًّا، هو الأمير العلامة المرحوم عبد القادر الجزائري الحسني الذي أتعب في حياته الشعراء المادحين، وأطال بموته بكاء الباكين، بعد أن أبعد عن نصارى دمشق الأذى في حادثة سنة الستين المشؤومة، فثكل بفقده الفضل والكرم والمروءة.

أصله ونشأته: هو المرحوم عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبد القادر، ويتصل نسبه الشريف مع الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

ولد في أم عسكر في أهواز جزيرة الغرب سنة 1223ﻫ ـ 1804م، نشأ في مهد العز والسيادة، ورضع ثدي العلوم والآداب والكمال، وأبى الدهر أن يكتب لهذا الأمير نعيم الراحة في الحياة، فقد كتب الله عليه الجهاد، فخاض غمار حروب طويلة مع أكبر دولة عالمية محاربة.

وقائعه الحربية المشهورة: قاد وقعة خنق النطاق الأولى سنة 1247ﻫ فانتصر على الفرنسيين، وأشار الأمير الشاعر في قصيدة لذلك، نقتطف منها قوله:

توسد بمهد الأمن قد مرت النوى

وزال لغوب السير من مشهد الثوى

وعرَّ جياداً جاد بالنفس كرُّها

وقد أشرفت مما عراها على النوى

وكم قد جرت طلقاً بنا في غياهب

وخاضت بحار الآل من شدة الجوى

وإنا سقينا البيض في كل معرك

دماء العدى والسمر أسعرت الجوى

ألم تر في (خنق النطاح) نطاحنا

غداة التقينا كم شجاع لهم لوى

وفي معركة خنق النطاح الثانية استشهد السيد أحمد بن أخي الأمير وهو ابن خمس عشرة سنة بعد أن بدا من بسالته ما أذهل العقول.

وفي معركة برج (رأس العين) كان الأمير يسير بين المشاة والفرسان وسائر الصفوف يحرض جيشه على الثبات والصبر والجهاد.

وفي غزوة (المقطع) هاجم الجنرال (تريزيل) الفرنسي بجيشه ومعداته ومدافعه جيش الأمير بعد أن نقض المعاهدة بينه وبين الأمير، فنهض له الأمير بألفي فارس وألف من المشاة فرده على أعقابه مدحوراً، ويذكر المؤرخ إسكندر بالمار شديد عجبه من استجماع الأمير قوته ورجوعه إلى الحرب بعد أن اضمحلت ثلاث مرات، وكل واحدة كانت كافية بسقوط أعظم سلطان راسخ القدم، ولما استولى العدو على معسكره لجأ في عاقبة أمره إلى حرب العصابات، وقد اعترف العدو بنبله ومكارم أخلاقه، ومعاملته الأسرى ورحمته بهم والشفقة عليهم، وقد قال المؤلف (فاليوت) في تاريخه: كان الأمير رغم عدائه كريم الأخلاق.

استسلام الأمير: لقد تواطأ العدو مع جيران الأمير على خذلانه، وبادر الفرنسيون بذر الذهب والفضة رشوة لزعماء القبائل، فاضطر الأمير تجاه الأمر الواقع إلى التسليم بشروط وافق عليها الجنرال (لامورسيير)، ومنها أن يذهب الأمير بأهله وحاشيته إلى بلاد المشرق، وكان ذلك خدعة فرنسية، فحملته إلى بلادها، وطلبت منه أن يتخذ فرنسا وطناً له على أن تمنحه أملاكاً واسعة، ومما نظمه في تلك الأيام قصيدة طويلة في حنينه إلى الأوطان، قال:

ومن عجب صبري لكل كريهة

وحملي أثقالاً تجل عن العد

ولست أهاب البيض كلا ولا القنا

بيوم تصير الهام للبيض كالغمد

ولا هالني زحف الصفوف وصوتها

بيوم يشيب الطفل فيه مع المرد

وأرجاؤه أضحت ظلاماً وبرقه

سيوفاً وأصوات المدافع كالرعد

وقد هالني بل قد أفاض مدامعي

وأضنى فؤادي بل تعدى عن الحد

فراق الذي أهواه كهلاً ويافعاً

وقلبي خلي من سعاد ومن هند

مراحل حياته: وفي عهد نابليون الثالث رحل عن فرنسا إلى الأستانة فوصلها 1853م، وكان سكنه في مدينة بروسة، وخلال مدة إقامته فيها حدث زلزال وحريق في بروسة، فالتجأ إلى مزرعته الخاصة، ولما تعاقبت الزلازل أحب السكنى في دمشق، وركب وأهله وحاشيته المؤلفة من مئتي شخص في باخرة فرنسية إلى بيروت، فوصل دمشق سنة 1272م، وفي عهد السلطان عبد المجيد خان زار بيت المقدس في سنة 1273ﻫ، وزار حمص وحماة، وتوجه إلى الحجاز، ثم سافر إلى استانبول وزار السلطان عبد العزيز في نيسان سنة 1865م، وبعد إقامته في الأستانة مدة شهرين سافر إلى فرنسا، فكان يستقبل في البلاد التي ينزلها استقبال الملوك والفاتحين.

مآثره ومناقبه: ومن مآثره الخالدة أنه لما قامت ثورة 1860م في البلاد السورية حافظ على نصارى دمشق من القتل والنهب، كان الأمير العظيم رحمه الله عالماً جليلاً وشاعراً مجيداً، وقد مدحه صديقه المرحوم أمين الجندي مفتي دمشق في عهده بقصيدة طويلة مطلعها:

إليك انتهى المجد الرفيع المؤثل

وعنك أحاديث المكارم تنقل

ومنها:

وأبرزت من كنز العلوم وقائعاً

يعز إليها عن سواك التوصل

مرضه ووفاته: مرض الأمير مدة (25) يوماً، وفي ليلة الجمعة الموافقة للتاسع من شهر صفر سنة 1300ﻫ ـ 1883م ارتفعت روحه الطاهرة إلى دار الخلود، ودفن عند الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي داخل القبة، وأفاضالشعراء والخطباء بتأبينه ورثائه، وأرخت وفاته (غاب بدر كامل)، طيب الله ذكرى هذا الأمير الباسل، وأجزل له من مثوبة المجاهدين.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/219 ـ 220).

الأعلام