جاري التحميل

عبد القادر الجندي

الأعلام

عبد القادر الجندي([1])

البطل الأريحي عبد القادر باشا الجندي قائد الجيش الأردني

هو ليس بفارس الأدب والقلم، بل هو أمير السيف والقراع والكرم، فإن أريحيته الموروثة كانت أكبر عون لإخراج هذا السفر في زمن عز فيه النصير.

لقد قرأ في صحف دمشق نبأ عودتي من البرازيل في أوائل شهر نيسان 1954م، فاتصل بها هاتفيًّا من عمان في الأردن مهنئاً بسلامة العودة من رحلتي الجوية الخطرة.

وبعد أسبوع جعلني تجاه أمر واقع، فقد بعث إلي بسيارته الخاصة إلى دمشق فأقلتني لزيارته في عمان، وتطرقنا لحديث الرحلة ونتائجها، وكان لابد في هذا الموقف من الإلماع إلى ما أفضت إليه خسارتي المادية بسبب (الشيك) المزور المشترى من فارس زهير النصاب اللبناني في البرازيل بمبلغ ألفي دولار، واكتفى بكلمة استغراب أوردها دون اكتراث، وبعد أربعة أيام من عودتي إلى دمشق اتصل بي السيد حسني الصفدي معتمده الخاص بدمشق وأبلغني بأنه تلقى من عبد القادر باشا الجندي في عمان مخابرة تلفونية يفوضه فيها أن يدفع إلي خمس مئة دينار أردني باعتبار هذا المبلغ سلفة لثمن مئتي نسخة من مؤلفي أعلام الأدب والفن، فكان لموقفه هذا ونجدته المادية أعظم الأثر في إتمام رسالتي الأدبية، ورأيت من الحق والوفاء أن أقدمه للتاريخ بكلمة متواضعة مجردة عن الغلو والإطراء.

هو الفريق العسكري عبد القادر باشا بن المرحوم عبد المجيد بن سليم الجندي، وكان والده قائم مقام عسكريًّا، استشهد في عهد الثورات التي قامت في طرابلس الغرب إبان العهد التركي، وهذا الفرع هو من الأسرة الجندية المقيمة في اللاذقية منذ أن تشعبت الأسرة في البلاد السورية.

ولد في طرابلس الغرب سنة 1869م وتلقى دراسته الإعدادية في دمشق والعسكرية في استانبول وتخرج سنة 1914م من قسم الفرسان.

في حرب ترعة السويس: اشترك في حرب الترعة خلال الحرب العالمية الأولى، وقد تحدث الأستاذ حبيب جاماتي في العدد 736 بتاريخ 19 تموز 1948م من مجلة الإثنين المصرية عن بطولة هذا القائد المغوار في معاركها، وتكليفه من قبل جمال باشا السفاح التركي بمهاجمة ترعة السويس بفرقة الفرسانواعتماده بنقل أكبر لغم بحري لنسف القناة، وقد كتبت له السلامة بأعجوبة إلهية.

في الثورة العربية: كان على اتصال مع المغفور له الملك فيصل، وقد التحق في الثورة العربية عند سقوط دمشق وشكل فرقة الفرسان، ولما دخل الفرنسيون دمشق التحق بشرق الأردن وانتسب إلى الجيش الأردني، وقد استقبله المغفور له الأمير عبد الله في معان مع لفيف من الضباط السوريين.

نواة الجيش العربي الأردني: وفي أوائل سنة 1921م بدأ بتشكيل نواة الجيش الأردني، وكان كلما وقعت أحداث ثورية اعتمده الأمير في إخمادها، وقد ترفع في المراتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة فريق 1944م، وهو من أبرز المخلصين الذين شيدوا دعائم العرش الهاشمي الأردني، وتفانوا في خدمته حتى إحالته إلى التقاعد سنة 1952م، وسيعود إلى الكساء العسكري إذا حزب الأمر ودعاه الوطن والواجب، وقد حاز على ثمانية عشر وساماً عربية وأجنبية، وعلى كافة الأوسمة الأردنية الرفيعة.

قال لي أحد العارفين: إن السيد عبد القادر باشا الجندي لم يكن ركناً عسكريًّا فقط، بل كان كعبة القصاد من أبناء الضاد في جميع أدوار حياته، وإنه لم ينل هذه المنزلة عبثاً، بل عن جدارة واستحقاق وأريحية وتواضع.

أنجب سبعة ذكور، وبكره السيد عبد المجيد هو برتبة قائد في الجيش الأردني، وقد خلفه في القيادة العامة للجيش الأردني ابن عمه أحمد صدقي باشا الجندي ابن المرحوم اللواء عبد الرحمن باشا الجندي، وإن الرتبة العسكرية التي يحملها هي أعلى الرتب في الجيش، ولم ينل مثلها أحد في البلاد العربية إلا اثنان.

هذه نبذة قصيرة من سيرة الرجل العظيم في نفسه وفي أعماله وخلقه وأريحيته، وجدير بنا أن نفرد سفراً خاصًّا لما قام به من جلائل الأعمال، وإن شاء سنفيه حقَّه في الأجزاء المقبلة مع بقية زملائه القواد والرجال العظام.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/404).

الأعلام