عبد الكريم الكرمي
عبد الكريم الكرمي([1])
شاعر الوطنية الملهم الأستاذ عبد الكريم الكرمي
(أبو سلمى)
هو الشاعر العبقري المتفنن الأستاذ عبد الكريم بن المرحوم الشيخ سعد ابن علي الكرمي، ولد في طولكرم سنة 1907م، وتلقى دراسته الابتدائية بدمشق خلال مدة وجود والده نائباً لرئاسة المجمع العلمي العربي بدمشق، والدراسة الثانوية في التجهيز الأولى، وهو من أول فوج برقم واحد نال شهادة البكالوريا في سوريا سنة 1925م، وبعد نجاحه أقام المجمع العلمي حفلة تكريم في المجمع لشعراء الشباب، وكان أحدهم، فألقى قصيدة نالت الإعجاب والاستحسان.
ثم انتسب إلى معهد الحقوق في القدس وأخذ الشهادة، وتعاطى المترجم المحاماة سنة 1943م في حيفا، وبقي فيها حتى نكبة فلسطين، فعاد إلى دمشق، وبقيت ثروته الأدبية في منزله بحيفا.
علاقاته الأدبية: لقد زار مصر مرات، وكان بينه وبين المازني الكاتب المصري الشهير علاقات ودية وأدبية أساسها الإعجاب المتبادل، وقد كتب الأدبيان العبقريان المازني رحمه الله وزكي مبارك عن شعراء فلسطين وخصا الشاعر العربي النابغة المرحوم إبراهيم طوقان وصاحب هذه الترجمة بمقالات حللا فيها روحهما الشعرية.
كانت حلقة الشعراء في فلسطين تضم ثلاثة منهم، وهو المرحوم إبراهيم طوقان وجلال زريق والمترجم، ويبدو أنهم كانوا على تفاهم وانسجام بشاعريتهمالوطنية الفياضة.
لقد أصدر (أبو سلمى) ـ وهو لقب شعري تكنى به في عهد الدراسة لنظمه أول قصيدة بالتغزل بـ(سلمى)، واشتهر به في الأوساط الأدبية ـ ديوانه الشعري المطبوع بعنوان (المشرد)، وأخال هذا اللقب المحبب إلى قلبه يوحي بنظم القوافي الساحرة، ومن قرأ (المشرد) يرى أن جل شعره من النوع الثوروي والغنائي الذي ينتهي بأروع المغازي الوطنية، وهذا نموذج من شعره المؤثر، وهو قطعة من روحه بعنوان (النازحون):
لغة الدمع أم بيان الجراح | وصدى اليتم أم أنين الأضاحي |
يا فلسطين إن تربتك العذ | راء تفتضّها يد المجتاح
|
حر قلبي على التراب خصيبا | بشظايا الأعراض والأرواح |
أيها النازحون: كيف تهاويتم | نجوماً على غريب البطاح |
أين أنتم؟ إن القلوب تنادي | فيحول النداء رجع نواح |
ليتكم في ملاهب الحرب كنتم | في فلسطين، وحدكم في الساح |
لو حملتم عبء القضية أنتم | وكفرتم بعصبة الأشباح |
لجلوتم عرائس المجد فوق الـ | أفق بين السنا وخفق الوشاح |
ودروب العلى أضاءت وقد سر | تم وراء الظبى خلف الرماح |
أو دفنتم هناك طي تراب | طهرته الدماء قبل البراح |
يا أحباي! والفراق طويل | ما على القلب إن بكى من جناح |
الليالي أحنى عليكم من الأهل | وأندى من الوجوه الصباح |
كل طفل كأنه دمعة الفجـ | ـر ترامت على محيا الصباح |
وفتاة كأنها عبق الزهـ | ـر تلاشى على ذيول الرياح |
لو فرشنا القلوب حرى لقمتم | بين أحنائها وتلك السفاح |
أيها النازحون! ماذا لقيتم | غير دنيا الآلام والأتراح |
وحملتم ذل السؤال ثقيلاً | بعد تاريخ ثورة وكفاح |
قل لمن يدعي المروة أقصر | وامسح اليوم دمعة التمساح |
قل لمن يدعي العروبة ما كنـ | ـت عليها إلا يد السفاح |
أسد خادر عليها ولايسـ | ـمع منك الأعداء غير نباح |
واستمع إلى شعره الغنائي تراه يناجي الخيال والسحر والفتنة، وهذه قطعة رائعة غنتها عندليبة الملائكة (فيروز)، وهي من ألحان الأخوين رحباني، أسكرت قافيتها وألحانها روح الأماني:
أين الشذا والحلم المزهر | أهكذا حبك يا أسمر |
أهكذا تذوي أزاهيرنا | وكان فيها المسك والعنبر |
الشفة الحلوة ما بالها | تحمل لي الخمر ولا تسكر |
والعين لا تبسم عند اللقا | السحر في العين ولا تسحر |
أشعارنا كانت توشي الدنى | والليل من أشواقنا مقمر |
نطير من نجم إلى نجمة | يلفنا وشاحك الأصغر |
فمن شعاع الشمس أهدابه | تضيء من إشعاعه الأعصر |
كيف الهوى يمضي كعمر الندى | وفي بلادي مرجه الأخضر |
أهواك في أغنية حرة | يخفق فيها الناي والمزهر |
في طلعه الفجر على المنحنى | يهفو إليه الكرم والبيدر |
في النهر الضاحك بين الربى | تحده على الهوى الأنهر |
في الشاطيء الغربي تقفو على | ألحانه الأمواج والأبحر |
في تغم البلبل يشدو على | صنوبر السفح ولا يهجر |
في عبق الورد وفي لوثه | يزفه وادي الحمى الأطهر |
وهكذا يجعل الوطنية مسك الختام في شعره الغنائي أيضاً فيقول:
في موكب النصر ورايته | على ذرى تاريخنا تخطر |
وفي أماني أمتي تنتشي | فيها المروءات وتستكبر |
أهواك في شعبي وفي موطني | فأنت لا أحلى ولا أنضر |
أحواله الخاصة: اقترن سنة 1936م وأنجب ولداً وحيداً سماه (سعيداً)هو في السابعة من عمره المديد في ظل والده الوارف بالعبقرية والمواهب، والمتحلي بأنبل السجايا الإنسانية.
* * *