جاري التحميل

عبد الله البستاني

الأعلام

عبد الله البستاني([1])

الشيخ عبد الله البستاني

(1854 ـ 1930م)

مولده ونشأته: هو ابن الخوري مخايل نصيب، وأمه عبلة بنت يوسف نادر، وكلاهما من الدوحة البستانية الباسقة، ولد في الدبية في كانون الأول سنة 1854م، وأدخله والده مدرسة القرية، وتعلم مبادئ الخط والحساب، ولما ظهرت مخايل النبوغ عليه أرسله والده إلى المدرسة الوطنية في بيروت، وقد قيض لهذا النابغة أن يدرس اللغة العربية في تلك المدرسة على اثنين من أشهر جهابذة ذلك العصر، هما المرحومان الشيخ نصيف اليازجي والشيخ يوسف الأسير، ودرس اللغة الإفرنسية، فكان يحسن التكلم بها والترجمة عنها.

مراحل حياته: أنهى تحصيله من المدرسة الوطنية سنة 1873م، ودرس في مدرسـة عبيـة، ثـم ذهـب إلى صيـدا وأقام فيهـا مدة سنتين يعلم أحد مهاجري الأميركيين اللغة العربية، وتولى التدريس مدة في الدامور، وعنّ له أن يزاول الصحافة، فاتفق مع إسكندر بك عمون وسافرا معاً إلى قبرص، وهناك أنشأا جريدة سمياها (جهينة الأخبار)، وقد منعتها الحكومة العثمانية من دخول أرضها.

وبعد أن عاد المترجم من قبرص انتدب لتدريس بعض الصفوف العربية في مدرسة الحكمة، وفي سنة 1900م كان أستاذاً للصف العربي في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك، وبقي فيها حتى أقفلت أبوابها بسبب الحرب العالمية الأولى في سنة 1914م، وفي هاتين المدرستين لمعت شمس المترجم وظهرت مواهبه لتضلعه في اللغة العربية ومهارته في النظم والنثر، فقصده الطلاب واشتهر ذكره، وقد درس عليه كثير من العلماء الأعلام الذين نبغوا في إتقان اللغة وقواعدها وأحكامها، وأتقنوا قرض الشعر وصناعة الإنشاء، نذكر منهم الأمير شكيب أرسلان، إسعاف الشاشيبي، وشبلي الملاط، وبشارة الخوري صاحب البرق، ولم تحرم مدرسة الفرير في بيروت من عناية المترجم وشهرته، فإنه علم فيها عدة سنوات.

رواياته: وقد ألف روايات تمثيلية مدرسية رائعة كان يمثلها تلاميذه في مدرسة الحكمة وغيرها، فالروايات النثرية هي: 1 ـجساس قاتل كليب، 2 ـ امرؤ القيس في حرب بني أسد، 3 ـ عمر الحميري أخو حسان، 4 ـ السموأل أو وفاء العرب.

والشعرية هي: 5 ـحرب الوردتين، 6 ـ يوسف بن يعقوب، 7 ـ بروتوس أيام تراكوين الظالم، 8 ـ بروتوس أيام يوليوس قيصر، 9 ـ مقتل هيرودوس لولديه، 10 ـرواية هزلية بديعة.

مؤلفاتـه: 11 ـ نقـح بحـث المطالـب للمطـران جرمانـوس فرحات، 12 ـصحح كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب لابن السيد المشهور، 13 ـ نقلإلى اللغة العربية خطاباً للمطران (بوسويت) الفرنسي في التاريخ العام ووشحه بعباراته المكينة. 14 ـ صحح ديوان أبي فراس الحمداني وأصلح فيه ما أفسدته يد النساخ، 15 ـ ترجم عن الفرنسية حكايات لافونتين الشهيرة بالشعر العربي، فجاءت آية محكمة، وهي لم تطبع. 16 ـ وأشهر مؤلفاته (البستان) وهو معجم عربي في مجلدين كبيرين.

مناظراته: جرت مناظرة قوية أدبية بين المترجم حجة اللغة وبين الشيخ عبد القادر المغربي والأب أنستانس الكرملي، فامتدت أحد عشر شهراً من 30 تشرين الثاني 1921م إلى 30 تشرين الأول 1922م، وبعد انتهاء المناظرة اقترح الشيخ المغربي (لا يعرف الفضل إلا ذووه) بانتخاب مناظره المترجم عضواً في المجمع، فانتخب بالإجماع، فكان ذلك.

وكان الكرملي قد حقد على الشيخ البستاني، فاغتنم فرصة رحيله من هذه الدنيا وراح يزري بآثاره وينددبها تنديداً معيباً لا يتفق مع آداب النقد، فأشار إلى كتابه (نشوء اللغة) بإحراق معجم (البستان) وتذرية رماده لكي لا يبقى له أثر، ولو أن البستاني ابتلي بنقد الأب الكرملي وهو حي لهان الأمر، وهب يثأر لكرامته ويدافع عن معجمه المشهور، ولكنه أقحم نفسه في ميدان شائك ، وأظهر نقده في طابع مليء بالحقد والتحامل، والكرملي موتور من البستاني، ومجلة المجمع العلمي العربي بدمشق مشحونة بأخبار المناظرة الأدبية التي جرت فيما بينهما، وكيف أفحم البستاني الأب الكرملي وأدمى قلبه وقلمه، وماذا يضير النابغة البستاني بعد أن غاب الكرملي الناقد في الثرى، وتطاول البستاني بعبقريته الثريا.

17 ـ واقتطف البستاني من بستانه المثمر موجزاً سمهاه (فاكهة البستان).

مواهبه الشعرية: إن تشطير المترجم لمعلقة عنترة ـ الذي قيل فيه: إنه كان أشعر الشعراء ـ تدل على قوة بيانه وقربه من شعر المشاهير من شعراء الجاهلية، وله مئات من القصائد البليغة الرائعة، وقد طبع بعضها وأُذيع.

ولما أقيم معرض شيكاغو في سنة 1893م لمناسبة مرور أربع مئة سنة على كشف كولمبس لأمريكا؛ اقترح على شعراء جميع بلدان المعمورة نظم أبيات من الشعر بلغاتهم تناسب المقام لتحفر على قاعدة تمثال كولمبس المنصوب في المعرض، فأقبل الشعراء في الأقطار العربية كلها على دخول المباراة، ولما اجتمعت لجنة التحكيم للنظر في الأبيات المعروضة عليها اختارت البيتين اللذين نظمهما النابغة البستاني، وهما:

لو كنت أقدر أن أعاقب أبحراً


قاسى بها كولمبس الأهوالا

لنزعت منها درهاً وجعلته

فوق الضريح لمجده تمثالا

يوبيله الذهبي: وفي يوم الأحد 15 كانون الثاني 1928م أقيم الاحتفال باليوبيل الذهبي لهذا النابغة في نادي مدرسة الحكمة، وتبارى الشعراء والخطباء في هذا لمهرجان لتكريم حجة اللغة والشاعر القدير، وبعد الانتهاء تلا الأستاذ النائب الشيخ إبراهيم المنذر القصيدة التي حاك بردها العلامة المحتفى به، قال:

يا زمان المشيب دعني وشأني

فإذا ما برحتني عز شاني

سمتني الضيم تحت حكم ليال

غيرت عز جانبي بالهوان

كيف أعلو وقد حنى الدهر ظهري

وبأرزائه الجسام علاني

وأنا والله خافض لجناحي

كلما الدهر ساءني ودهاني

فعلى رأسي المشيب ضحوك

وفؤادي وعاذلي راقصان

كنت في ميعة الصبا ضاحكاً من

عمل الدهر حينما قاواني

ولكم كنت أدعي العز في عهـ

ـد شبابي أسمو على الأقران

أدعي أني ذو الخورنق في الحيـ

ـرة أو كسرى صاحب الإيوان

أدعي أني عالم كل شيء

ناسياً أني من بني الإنسان

فتجنت علي دهم الليالي

ناقمات مني كأني جان

وأبانت أوابد الشعر عيني

ذو فؤاد مازال في خفقان

هل رأيتم شيخاً يقاوي فتيًّا

وهو رخو العظام وانٍوفان

أي شيخ بغرسه يتثنى

حاسباً أنه غصين البان

وفاته: وفي عام 1930م خبا أعظم بركان اتقدت نيران نبوغه فأضاء الشرق بعبقريته الشامخة، وانطوت أمجد وأنبل صفحة في تاريخ العلم والأدب، وألحد الثرى في مقبرة أسرته، وأفاض العلماء والشعراء والأدباء برثائه.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 253 ـ 255).

الأعلام