عبد الله خميس
عبد الله خميس([1])
(1921م)
هو الأستاذ عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن خميس، ولد سنة 1340ﻫ ـ 1921م، لقد أنجبت أسرة (خميس) أفاضل العلماء، فجده عبد الرحمن كان إماماً ومدرساً في مسجد الطريف بالدرعية، وجده الأكبر كان من أفاضل العلماء في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز، وعمه محمد كان قاضياً في الرياض، وكان والد المترجم عالماً وأديباً، وقد تلقى العلوم الدينية والأدبية، ونشأ في بيئة فاضلة كان لها الأثر المحمود في توجيهه نحو الغايات المثلى.
انتقل به والده إلى الدرعية، فأدخله الكتاب الأهلي ليتعلم القرآن الكريم، ثم تلقى دراسته في كلية الشريعة بمكة ونال شهادتها بتفوق، ولما شب غادر الدرعية، واتصل بأحد الأمراء، ولازم المكتبة الزاخرة بأنواع المؤلفات العلمية والأدبية، واطلع على كتب الشعر العربي القديم وحفظ مختاراته.
نشأته: كانت صلته وشيجة مع بعض العناصر الذين كان لهم أثر في تنيمة مواهبه واستغلال ذكائه، واتصل بالأستاذ الغيور (فهد آل مارق) المعروف بتضحياته وكفاحه الوطني في سبيل نصرة فلسطين، وكان يبادله الآراء الصائبة والأحاديث المجدية التي عادت على المترجم بأفضل النتائج، وإلى صديقه النبيل فهد يعود الفضل بنشله من هوة الإهمال، بعد أن تجلت مواهبه في إلحاقه بدار التوحيد، وظل فيها إلى نهاية عام 1936ﻫ، وبعد نجاحه التحق بكلية الشريعة، وقد عبر عن نبل صديقه فهد، فقال:
ما عاتب الحر الكريم كنفسه | والمرء يصلحه الجليس الصالح |
تقدير المواهب: اختاره المفتي الأكبر للمملكة العربية السعودية ورئيس المعاهد والكليات مديراً لمعهد الإحساء العلمي سنة 1373ﻫ، فكان موفقاً في هذا الاختيار، فقد أظهر براعة في إدارته وتنظيمه، ثم تولى مديرية كليتي الشريعة واللغة بالرياض، ثم أصبح مديراً عامًّا لرئاسة القضاء في نجد والمنطقة الشرقية وخط الأنابيب.
أدبه: كان أول عهده ينظم الشعر النبطي السائد بين أهل بلاده، ثم أقبل على نظم الشعر العربي الفصيح، فانقادت القوافي لقريحته، فأجاد وأبدع، وهو شاعر ملهم يميل إلى ابتكار المعاني في كثير من قوافيه الشعرية، وقد اتسم طابعه بأسلوب أبي الطيب المتنبي، وكان لبيئته التي نشأ فيها أثر في تكوين هذا الأسلوب.
أما شعره الغزلي، فهو في منتهى الرقة والعذوبة، ومن قوله:
أنت من دنياي أقصى بغيتي | ونصيبي في الهوى مادمت حيا |
أنا لا أشكر جفاً تفعله | فاجفون ما شئت أو أحسن إليّا |
هل حبيب أظهر الشكوى له | غيركم يجلو القذى عن ناظريا |
وإذا كان الشعر يعبر عن أماني الشاعر نحو قوميته العربية فقد قال:
والأماني مع هذا جمة | كل يوم هيئة أو مؤتمر |
تطلب الغول وعنقا مغرب | يالقومي من أحاديث السمر |
من نصيري من شباب أرعن | أبدرت أقرانه وهو استسر |
أخذ الممقوت من بيئته | وأبى في قاعة البحر الدرر |
اتركوا الفخر بآباء مضوا
| إنما في حلبة السبق الفخر |
ما بنى يوماً عظامي عُلا | لو على أجداده هام القمر
|
فجمال المرء في همته | ليس في الهندام أو حسن الصور |
واستعز الله بوالده، فعظمت عليه المصيبة بفقده، وراح يتأمل أنقاض آماله وغدر الدنيا، فقال:
إذا ما بدت تختال في زي غادة | وراقك منها حليها وبرودها |
وجاءتك طوع الأمر يبسم ثغرها | كان شقيق الجلنار خدودها |
أشاحت بوجهه مكفهر كأنما | تقمصه شمط العجائز سودها |
وكان منذ فتوته يؤمن بمبدأ (الفن للحياة)، وقد أهلته شجاعته ومواهبه لتبني القضايا الاجتماعية، فعالجها وكافح في سبيلها، واستعدى عليه قلمه من استعدى.
طموحه: هو في طموحه ونصحه للمجتمع في طلب العلم أمثولة حية صادقة، وقد أبدع ما شاء له الإبداع في التعبير عما يختلج في روحه من عواطف وإحساس نبيل، فيقول:
يحلو المديح إذا أُنيط بأهله | وأراه في غير الكرام فضولا |
العلم حصن للشعوب وجنة | كبّر على شعب يكون جهولا |
وإذا كان بعض الناس قد أخطؤوا في تقدير معنى الحياة، فقد تسامى المترجم بوصفها بأسلوبه البليغ، فقال:
ليس الحياة كما توهم جاهل | عيش الكفاف ومستوى محدودا |
إن الحياة هي الصراع فكن بها | أسداً صارع أذؤباً وأُسودا |
ومن روائع نظمه قصيدة عنوانها حنين إلى الوطن قال:
من لصبٍّ ضاعف النأي هيامه | مدنف حن إلى حجر اليمامه |
كلما رق له ريح الصبا | عاج قصداً عله يروي أُوامه |
وإذا ما أنجدت سارية | حمل البرق مناه وسلامه |
حبذا حجز ومن يسكنه | وأهيل الود من وادي ثمامه |
حبذا الآجام في جوٍّ ويا | ما أحيلى وحش جوٍّ ونعامه |
تلك مرتاد جرير وبها | وبمن يسكنها قضى هيامه |
مؤلفاته: زار البلاد السورية فألف كتابه (شهر في دمشق)، وصف فيه بلاد أمية حاضرها وماضيها، ويبدو الكتاب في الظاهر مجرد وصف وعرض، وهو يحمل في تضاعيفه شعلة يلهب بها قلوب قومه، ونفوس مواطنيه للعمل والإنتاج المثمر، وأنهى كتابه (الأدب الشعبي في جزيرة العرب) وهو فريد في نوعه، وقد أخرجه في قالب عصري مبسط، يصور الحياة العربية في جزيرة العرب منذ خمسة قرون مضت، وأورد فيه نماذج وأمثال مليئة بالصور والأخيلة والتفكيرات الرائعة، ويعد الآن مؤلفاً عن (اللهجات في جزيرة العرب).
* * *