جاري التحميل

عبد الله أبو حرب

الأعلام

عبد الله أبو حرب([1])

البلبل المطرب المرحوم عبد الله أبو حرب

أصله ونشأته: هو المرحوم عبد الله بن عبد الرحمن أبو حرب، ولد بدمشق سنة 1255ﻫ ـ 1836م، وعاش بكنف والده إلى أن بلغ العشرين من عمره، وقد درس على علماء عصره، واقتبس عن والده فن الأنغام وبرع فيها إلى حد بعيد، وتلقى عن المرحوم أبي خليل القباني الفنان المشهور تراثه الفني الخالد، فكان أحد تلامذته البارزين، يتولى فرقة المنشدين تارة، وأخرى فرقة رقص السماح، وكان ضابطاً للإيقاع بشكل بارع، إذا أنشد استلب القلوب بروعة صوته وسحر إلقائه.

رحلاته: سافر المرحوم المترجم إلى الأستانة عدة مرات، وكان ينزل ضيفاً على المرحوم أحمد عزت باشا العابد فيلقى منه كل كفاوة وتقدير لمواهبه وفنونه وخفة روحه، وقد أذن مرات بجامع السلطان عبد الحميد وفي حضرة السلطان، وأعجب فنانو الأتراك بصوته الشجي الرخيم، ولم يقتصر سفره إلى الأستانة، فقد زار مصر واجتمع بأشهر الفنانين كعبده الحمولي وسلامه حجازي وطبقتهما، وأقام ثلاثة أشهر ضيفاً على المعجبين والمقدرين لمزاياه الحميدة.

صوته وفنه: لقد وهب الله الفقيد الصوت الشجي، فاستثمر المجتمع فنونه، وكان كوكباً ساطعاً في مسرح أبي خليل القباني التمثيلي أيام إقامته بدمشق في أول عهده، مولعاً بفنون رقص السماح بارعاً في إيقاعه وأوزانه، كان أمراء الأتراك يتهادون مجالسته وخاصة جواد باشا المشير التركي، فإنه كان لا يفارقه ويحتفي به ويجلّ قدره وفنه، لازم هذا الفنان فرقة المرحوم عمر الجراح العازف المشهور، وكان يشترك معه في حفلات الأفراح التي يقيمها الأتراك والعظماء بدمشق، وكان محط أنظار الناس بهيبته ووقاره وسعة اطلاعه الفني وجمال صوته وبراعته برقص السماح.

وكـان رحمـه الله منشداً مـن الطـراز الأول في حلقات الأذكـار، ويجب أن لا يغرب عن البال بأن مهمة رئيس المنشدين في الأذكار لا تقل شأناً عن مهمة رئيس فرقة في مسرح فني، ومن الإنصاف أن لا يغمط حق منشدي الأذكار من الناحية الفنية وقيادة الذاكرين ضمن الإيقاع والأصول.

كان المترجم ذا صلة فنية وروحية متينة بالمرحوم أبي الخير الجندي الشاعر الحمصي المعروف، يلازم مع الفنان عمر الجراح جلساته الأسبوعية ويأخذان منه الموشحات التركية والعربية الرائعة، يهوى إنشاد الشعراء الصوفية وموشحاتهم، وقد اشتهر أمره وذاع صيته في الأقطار العربية كمنشد بارع ذي صوت قوي كامل، واستقى من مورد أبي خليل الفن الصافي وسار على مهجه الفني في تطبيق تعالميه وآرائه، فما ابتدع ولا انحرف عنها.

ولما وقعت النكبة في مسرح أبي خليل القباني وسافر مع فرقته إلى مصر؛ ودّ المترجم لو استطاع مرافقته أو اللحاق له، ولكن كانت هناك عوامل قاهرة تحول دون ذلك تجلت بانقباض صدره والتياعه لفراق أستاذه العظيم، وكان الوجهاء في البلاد العربية يدعونه لزيارتهم، وأكثرهم إعجاباً بفنه أعيان حماة، فقد كان يقضي في ربوعهم فترات طويلة يرشفون من رحيق فنونه ما طاب لهم، وكان إذا غلبت نشوة الطرب غنى من مقامات الحجاز والصبا الحسيني والأوج، فسحر السامعين وأطربهم.

وفي إحدى زيارات المرحوم الشيخ سلامة حجازي الفنان المصري المشهور لدمشق حضر حفلة ذكر، وكانت التكايا والزوايا كثيرة بدمشق تقوم مقام دور السينما والتمثيل في العهد الحاضر، وانتهت صلاة العشاء والتف الذاكرون في حلقة الذكر وبينهم الشيخ سلامة حجازي، وتأخر البدء به لغياب المترجم الذي كان رئيساً للمنشدين، وطال غيابه والناس بانتظاره، وعجب الشيخ سلامة عندما دخل وتطاولت الأعناق وبشت الوجوه لرؤياه، فسئل: أين كان؟ فقال: كنت مدعوًّا على عشاء وأكلت شاكرية ورزـ وكان المترجم رحمه الله (تأتاء) ـ فخرج حرف الشين من فمه مئة مرة قبل أن ينطق كلمة شاكرية، فقال الشيخ سلامة في نفسه: كيف يكون هذا التأتاء مطرباً كبيراً، وزال عجبه لما بدأ بالإنشاد بصوته الساحر دون تأتأة، ولما انتهى تقدم إليه وعانقه مقبلاً وقال: ظننتك تنادي الكلاب لما قلت: (شا شا) مئة مرة.

وفاته: وفي يوم الخميس الواقع في أول شعبان سنة 1326ﻫ ـ 1908م عصفت المنية بروحه الطاهرة فجأة بعد صلاة العصر، فعز نعيه على الناس، ودفن في مقبرة أسرته في الدحداح بدمشق، وأشارت مجلة الشرطة بعد خمس وعشرين سنة أن أهله فتحوا قبره لدفن صغير متوف فوجدوه بحالته الطبيعية لم يبل كفنه، فردوا القبر إلى ما كان عليه.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 258 ـ 259).

الأعلام