جاري التحميل

عبد الله عمر البنا السوداني

الأعلام

عبد الله عمر البنا السوداني([1])

لقد تعذر علينا معرفة تاريخ ولادته ومراحل حياته، والمعروف عنه أنه كان كبيراً لمدرسي اللغة العربية بكلية غوردون بالخرطوم، ومن أشهر شعراء السودان الذين يمثلون مدرسة شوقي وحافظ الأدبية.

مواهبه: لقد تناول في قصائده البليغة الأغراض العامة، وتعرض للحياة الاجتماعية بالنقد، وحث على التمسك بأهداب المكارم، أشاد بماضي العروبة، وفاخر بمجد الإسلام، وهي نواحي نبيلة سامية تدل على تفانيه في سبيل عقيدته الوطنية وقوميته العربية، وهذه قصيدة عامرة ناجى فيها هلال المحرم في عيد رأس السنة الهجرية، وهي من غرر قصائده:

يا ذا الهلال عن الدنيا أو الدين

حدث فإن حديثاً منك يشفيني

طلعت كالنون لا تنفك في صغر

طفلاً وإنك قد شاهدت ذا النون

سايرت (نوحاً) ولم تركب سفينته

وأنت أنت فتى في عصر (زبلين)
 

خبر عن الأعصر الأولى لتضحكني

 

فإن أخبار هذا العصر تبكيني

إلى أن يخاطب أبناء بلاده:

أحبتي ودعاء الحب مرحمة

لا يحزننكم بالنصح تلقيني

فرب قول غليظ اللفظ باطنه

رحمى، ولين بفظ الروح مقرون

ترضون بالدون والعلياء تقسم لا

ندين يوماً لراضي النفس بالدون

والمجد ينأى فلا تدنو مواكبه

من الجبان ولا ينقاد بالهون

إن ديون الشعر للأمة هو ديوان خالد لآمال تلك الأمة وآلامها، لطموحها ومخارفها، وهو سجل صادق لحالة الشعب النفسية والمعنوية، وتصوير دقيق لما يجيش في صدور أبناء تلك الأمة من قوة أو ضعف، من بأس أو خنوع، من ثورة أو استسلام، من غضب وانتقام أو من وداعة وتسامح.

فالقطر السوداني العربي الذي تألم وجاهد وناضل وكافح في سبيل استقلاله وحريته قد وصل إلى ما يصبو إليه من عز وكرامة وسؤدد بهمة أبنائه المخلصين.

وهذه قصيدة رمزية، وهي تعبر عما يختلج في روح هذا الشاعر الملهم من نبل وإحساس:

هكذا ينتفض العشْـ

ـشُ على كف الرياح

والأغاني منه تسـ

ـاقط عذراء الجراح

والأماني تتهاوى

فيه شلاء الجناح

فإذا الأيكة أطلا

ل أمان وصداح

وإذا الجدول شوق

جف أو لهفة راح

وإذا الروضة قبر

لخيالات الصباح

وإذا البلبل في الغر

بة مسكين النواح

هكذا يغترب الما

ضي فيمضي فيغيب

كان فجراً أي فجر

لم يفاجئه الغروب

كان حلماً أي حلم

لم تفزعه الخطوب

وعهوداً نسجتهنْـ

ـنَ شفاه وقلوب

والذي كان خيالاً

أترى لا يؤوب

والذي يحيا على أحـ

ـلامه الثكلى غريب

هكذا أغفت صبابا

تي وعامت ذكرياتي

وتلفت فما أبـ

ـصرت في الماضي حياتي

إن أمسي كغدي وجـ

ـه غريب اللمحات

وهذه خريدة بليغة جادت بها قريحة هذا الشاعر العبقري بعنوان (جنة غريب):

مضى الركب يا قلبي فأين حبائبي

وأين مجالاتي وأين مذاهبي

وأين الربيع الحلو قد مات في يدي

وطوح إلا صورة في رغائبي

وأين العشيات الرطاب؟ عبرتني

كما تعبر الصحراء عنوة راكب

وأين غدي؟ إني دفنت خياله

على جدول في منهل الغيب ساكب

ويومي؟ لقد كفنته في دموعه

بواد حزين الظل سأمان شاحب

وعشت فضاء ناعماً خلف ربوة

على سفحها المحروم أغفت ركائبي

ملال طريد، أو سآمة مدلج

ويأس شقي أو تثاؤب شارب

فيا موكب الأحزان عطلت فرحتي

وشردت أنغامي وأصرعت جانبي

وأطلقتني في الليل كالليل ذاهلا

منيفاً كأني فيه.. دمعة راهب

أفردتني كالنجم حيران ساهرا

كأني عن دنياك لفتة هارب

وأظمأتني حتى من الوهم في دمي


وكان كثيراً كالحياة..مشاربي

وأفقرتني حتى المنى.. ما تزورني

وكانت يد الأيام تسنى مطالبي

وأشقيتني.. يا ذل روحي على الذرى

وضيعة أيامي بوادي المصائب

تمر في الذكرى فأجثو كأنني

ضمير نبي.. أو ضراعة تائب

فتنتشر أفراحي على حر مهجتي

كما تنثر الأشواق.. دمعة غائب

أحدثها كالطفل حين تهزه

طرافة لهو.. أو مجانة صاحب

وأبكي كما يبكي الغريب قد التقى

بسامره بعد النوى والحبائب

وأعذر دمعاً، دمعة كرمت بها

محاريب أشواق خلت وملاعب

أحس حياتي في التراب صريعة

تساقط من روحي كأنفاس لاغب

وأغمض عيني أستعيد مباهجي

وأخدع حسي في الليالي الذواهب

وليلي أنغام، وخمر، وفتنة

وسمار صدق كالأماني الكواذب

فعدن كأن الكأس دمع شربته

وأن صدى الألحان.. صرخة نادب

على مهجتي ماض عدتني ظلاله


فصار حصيداً بين فأس وحاطب

حنين كدفق الموج يسري بخاطري

فمن نازع منه عنيف وسارب

وأصبحت كالطير الغريب مفرغا

على فنن بالي العشيات ناحب

فيا منهلاً عذباً وردت على الصبا

أنيفاً كوجه الروض تحت السحائب

سلام على عهدي بواديك إنه

هو الزاد في عهد النوى والنوائب

فلا خير في عمرين.. ذكراهما أسى

فمن بين مجهول وآخر ذاهب

وحسبك أن تأسى على ما فقدته

وتجزع من مستحدث في العواقب

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 490 ـ 491).

الأعلام