عبد المجيد الخاني
عبد المجيد الخاني([1])
الشيخ عبد المجيد الخاني
(1847 ـ 1900م)
انحدرت أسرة الخاني من قرية خان شيخون التابعة لقضاء معرة النعمان، وقد هاجر الجد الأكبر المرحوم الشيخ محمد بن عبد الله بن مصطفى الخاني إلى حماة سنة 1818م، وأقام فيها بضع سنين، ثم رحل عنها إلى دمشق سنة 1824م فاستوطنها، ورأت هذه الأسرة في ربوعها منهلاً سائغاً لإظهار مواهبها العلمية، فأنجبت أعلام العلماء العاملين والقضاة والأدباء، فحملوا في رؤوسهم العلم وفي قلوبهم الإيمان، ويعود الفضل إلى البيئة العلمية التي نشؤوا فيها وما اتصفوا به من أخلاق فاضلة.
ولولا نزوح الجد الأكبر من خان شيخون لبقيت هذه الأسرة كالدرر المكنونة في أصداف قاع البحر، ولكن شاء الله أن ينتفع الناس بعلمهم وفضائلهم ومآثرهم وآثارهم.
مولده ونشأته: هو المرحوم الشيخ عبد المجيد بن محمد بن محمد بن عبد الله ابن مصطفى الخاني الخالدي النقشبندي، بزغ نجمه بدمشق في التاسع من شهر صفر سنة 1263ﻫ وكانون الثاني سنة 1847م، نشأ في مهد جده الشيخ محمد الخاني الكبير، وعهد به إلى الشيخ علي الخدوري الحمصي لتعليمه القرآن وعلم التجويد، وأخذ عن جده طرفاً من النحو والفقه والتفسير ومصطلح الحديث والفتوحات والجامع الصغير، وتلقى العلوم النقلية والعقلية عن العلامة الشيخ محمد الطنطاوي الأزهري، وسمع منه بحضور الأمير عبد القادر الحسني الجزائريأكثر الفتوحات المكية الصحيحة، وكانت بينه وبين الأمير مودة.
مواهبه العلمية: لقد نبغ المترجم في عصر كان طافحاً بالظلم والاضطهاد، والفضل في نشر العلم كان لحلقات الدراسة التي كانت تعقد في الجوامع، فقد كان والده المرحوم الشيخ محمد الخاني من أعلام الشام وشيخ الطريقة النقشبندية يدرس في تكية مراد باشا وفي منزله بالقنوات، لقد كان خليقاً بصاحب هذه الترجمة أن يكون فقيهاً صوفيًّا، لا شاعراً كزهير بن أبي سلمى الذي نشأ في أسرة أصولها شعراء وفروعها شعراء، فأضحى شاعراً فذًّا، لكنه نشأ في أسرة دينية اختصت بالفقه والحديث والتصوف، ومن المستغرب أن يتيسر له نظم القريض، وأن تنقاد له أعنة البلاغة والبيان.
ومن أبرز فضائله أنه انبرى ينظم القصائد مشيداً فيها بالدعوة إلى الله ونبذ العنصرية والشعوبية في عصر سيطرت فيه الخرافات والجهل، لقد كان في الشام داعياً إلى التجدد، كما كان الإمام الشيخ محمد عبده في مصر داعياً مناضلاً، وكانت بينهما مراسلات وتقارباً روحيًّا، فاتحدا بالهدف والعقيدة والمبدأ والجهاد والنضال وإن لم يلتقيا، واتصل برجالات العرب يعلن مبادئه وغاياته وهو في حذر خائف يترقب، لقد مدح الملوك وأطرى الوزراء والولاة والرؤساء، فكان هذا المدح سبباً لرد عدوانهم والتخفيف من شرورهم، واعترف علماء الأتراك بفضله وعلو قدره.
كان رحمه الله كريماً عزيزاً في قومه، فأبت عليه عزة نفسه أن ينقاد إلى قيود الوظائف رغم تكليفه بالقضاء الشرعي، وقضى حياته في كفاح ونضال وجهاد، فقد رحل إلى فلسطين متنقلاً بين مدنها يجتمع إلى كبار رجالاتها، ويتبادلون الآراء تحت ستار كثيف من الكتمان الشديد خشية من رقباء السلطان وجواسيسه، وقد تنبأ المترجم بما سيحيق بالأرض المقدسة من شر مستطير، وصدقت فراسته.
ورحل إلى الأستانة فكان الداعية الأكبر إلى الوحدة الإسلامية، فتلقاه فضلاؤها يقتبسون من ينبوع معارفه ويستضيؤون بنور هديه، غير أن المنية عاجلته.
مؤلفاته: ومن مؤلفاته الشهيرة كتابه المسمى بـ(الحدائق الوردية)، ترجم فيه عدداً كبيراً من رجال العلم، والتقى من عرب وأعاجم، حتى إنه في سبيل نشر هذا السفر القيم اضطر إلى تعلم اللغة الفارسية، فأتقنها وأجاد فيها الكتابة نظماً ونثراً، وجمع شتات شعره وجيد قريضه في ديوان ضخم خطه بيده وأسماه (جهد المقل)، ولا يزال في مكتبة حفيده الأستاذ الشيخ عبد الرحمن الخاني لم تمتد إليه يد الطباعة، ضمنه فنوناً عدة من الشعر، وهذا نموذج من شعره الحماسي البليغ:
تجلى من العلم الإلهي كواكبه | لنا وبنا سارت إلينا كواكبه |
ونحن وإن جر الخمول ذيوله | علينا فإنا للوجود مناقبه |
وما الكون إلا شاعر وصفاتنا | مشارقه تشدو بها ومغاربه |
توهم أهل الجهل إدراك شأونا | ومن نال هذا الفضل تسمو مراتبه |
وهب أنهم قد أمطروا منه قطرة | فمن بعد ما انهلت علينا سحائبه |
وله نظم بديع في الشعر الغزلي، ومن موشحاته الرائعة:
سلم الله غزالاً سلما | بعيون كحلت بالنعس |
وفم أتقنه الله فما | فيه عيب غير طيب اللعس |
دور
ربرب ربي في وادي زرود | مالوى الجيد إلى ماء اللوى |
لو رآه البدر يهوي للسجود
| وهو شيء لم يذق طعم الهوى |
ذو محيا خاله فوق الخدود | ملك الزنج على العرش استوى |
كل من علمه منع اللمى | جاهل قدر حياة الأنفس |
ما له من مشبه نفسي وما | لي فدا ذاك الرضاب الألعس |
وله قصائد طويلة فريدة في مدح الرسول الأعظم ـ ﷺ ـ والتهائي وفي الغزل والرثاء والموشحات، وامتازت براعته في نوعي التطريز والتاريخ والنثر والخطابة.
وفاته: عصفت المنية بروحه الطاهرة وهو غريب عن أهله في الأستانة، وذلك سنة 1900م، ودفن في مقبرة (نيشان طاش)، وأنجب ذرية طبية منهم الشيخ رضا والشيخ عبد القادر، كان لهما في القضاء الشرعي قدم راسخة، ولم يقتصر النبوغ في هذه الأسرة الكريمة على الشاعر النابغة عبد المجيد، بل تعداه إلى أخويه العالمين الفاضلين الشيخ سيف الدين والشيخ محمد عزيز قاضي دمشق الممتاز ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، ومن اللامعين في هذه الأسرة الأستاذ أحمد بن الشيخ ياسين الخاني رئيس مجلس التأديب، المولود في دمشق عام 1900م، الذي أشتغل وظائف مالية رفيعة.
* * *