جاري التحميل

عزيز سمين

الأعلام

عزيز سمين([1])

العصامي الكامل الصفات عزيز سمين الحمصي

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

إلا السمين عزيز من يتشفع

لولاه لقلت مضى الكرام جميعهم

وبقي الذين حياتهم لا تنفع

أصله ونشأته: هو السيد عزيز بن المرحوم سليم بن نيقولا سمين، استوطنت هذه الأسرة حمص منذ ثلاث مئة سنة، وقيل: إن الجد الأعلى من جهات إزمير، وكان سميناً بديناً فلقب بالسمين، وتكنت الأسرة بعده بهذا الاسم.

بزغ نجم هذا الشهم النبيل بحمص في 11 أيلول سنة 1889م، وعاش بكنف والديه في مهد العز والعفة، درس في المدارس الوطنية وتابع الدراسة بنفسه، فإذا سأل سائل: ما هي الشهادات العليا التي يحملها حتى توصل إلى المكانة السامية في المجتمع؟ أجبته بأنه لا يحمل من الشهادات العليا أية شهادة، ولكن الله وهبه مـن الكفاءات المكتسـبة ما ستتضاءل أمـام جبروتـه الشخصي الاكتسابي عظمة الشهادات العليا وأصحابها.

سفره إلى مصر: وفي 3 آب سنة 1903م ترك حمص واستوطن مصر وأقام في طنطا يتعاطى مهنة الصرافة مع إخويه زهاء عشر سنين، وكان ميالاً بفطرته لمساعدة الفقراء، فأطلق عليه وهو مصر لقب (أبو الفقراء)، وهناك تعرف على شقيق المؤلف الشهيد الأول المرحوم الدكتور عزت الجندي، فتوثقت بينهما عرى المودة والصداقة.

أما الوالد العزيز المرحوم سليم سمين فقد ولد في حمص سنة 1846م، وتوفي بحمص بتاريخ 5 تشرين الثاني 1918م، وشقيقه المرحوم عيسى ولد بحمص سنة 1870م، وتوفي بحمص في 5 آذار سنة 1918م، وكانت وفاتهما في سنة واحدة، وقد أفاض الشعراء برثائهما، وقال أحدهم:

نال منا الحمام خير مراد

حين أذوى (سليم) طيّ المقابر

ودهانا يخطب (عيسى) فذابت

عقب سح الدموع منا النواظر

إن تحت الأحجار حزماً وعزما

ورجالاً بالفضل كانت تفاخر

إن تحت الأحجار نامت ليوث

عند مرّ الخطوب كانت سواهر

إن تحت الأحجار غارت بدور

في سماء النقاء كانت سوافر

نام تحت الأحجار ليث وشبل

نام تحت الأحجار بدء وآخر

هجرته إلى البرازيل: وفي 18 آذار سنة 1913م هبت رياح الآمال في نفس المترجم الشاب، فهاجر إلى البرازيل بحراً، فوصلها الأحد 13 نيسان 1913م، وبدأ فوراً حياته التجارية شريكاً بمعمل قمصان للرجال، وقد نالت مصنوعات هذا المعمل جائزتين بسنتين متواليتين من معرض سان باولو الصناعي، ولمع اسمه في الأوساط الاجتماعية، فقابله الشاعر الكبير إلياس فرحات لأول مرة، وقال يمدحه في سنة 1916م:

سمعت بفضل عزيز سمين

فصوره الوهم شخصاً سمينا

ولما التقينا رأيت نحولا

يضم وقاراً ولطفاً ولينا

فقلت أظن المراد ثمينا

لأن العزيز يكون ثمينا

وإن العوام لقد يخطئون

فتبدو لنا الثاء باللفظ سينا

خدماته الاجتماعية: ولما انتشرت الإنفلونزا في البرازيل سنة 1918م ساهم بجهود مشكورة فألف لجنة من السوريين لمساعدة المرضى ومؤازرة الصليب الأحمر.

تاريخ البرازيل: كان عضواً في لجنة ترجمة تاريخ البرازيل إلى اللغة العربية لمترجمه المرحوم جورج أطلس، من أكبر المناصرين لطبعه، وهو أول مشترك في مجلة الكرمة، وقد كتب المترجم بتوقيعه على النسخة المهداة لهذا الأريحي بتاريخ 6 تموز سنة 1919م ما يلي:

وإلى شعلة النشاط الوطني ومحرك النهضة الأدبية الحديثة.

وفي حفلة أقيمت فندق سنترال أطلق الأستاذ توفيق ضعون على السيد عزيز سمين اسم (أبو الأدباء).

وفـي سـنة 1919م أسس محلًّا لاستجلاب الأجـواخ الإنكليزيـة، وكان وما زال إلى اليوم المحل الأول من نوعه بين السوريين، وقد نال المحل شهرة واسعة عمت جميع ولايات البرازيل بجودة بضائعه المستوردة، ومعاملة الزبائن والعملاء بصدق واستقامة، وبتاريخ 30 نيسان 1924م منح من الغرفة التجارية العليا لقب (تاجر مميز).

خدماته الاجتماعية: وفي سنتي 1922 ـ 1923م كان نائباً للرئيس ومستشاراً بعدة دورات في النادي الحمصي.

وكان من لجنة مشتري أول أرض للنادي الرياضي السوري، وبعد مرور (30) سنة بيعت هذه الأرض بأضعاف الأضعاف من ثمنها، وتم شراء الأرض الواسعة التي يمكلها الآن النادي الذي سيكون ببنائه أفخم ناد في أمريكا بعهد إدارته الجديدة.

الزواج الأول: وفي 25 كانون الأول سنة 1925م اقترن من ابنة خاله ليلى كريمة المرحوم أنطوان لوقا، وقد أنجب منها ثلاثة أولاد:

السيد ألبيرتو: وقد ولد في سان باولو بتاريخ 8 تشرين الثاني 1925م، وقد تزوج من فتاة برازيلية من عائلة سانطوس الشهيرة.

السيدة عائدة: وقد ولدت في سان باولو بتاريخ 2 شباط 1927م، وتزوجت من السيد رجا نجل الأستاذ توفيق اليازجي.

السيد رامون: وقد ولد بتاريخ 25 آذار سنة 1928م، ومازال عازباً.

مناصرته للفنون: وفي سنة 1924م استقبل فرقة الأستاذ نجيب الريحاني، وآزرها وناصرها بدعاياته ونفوذه الاجتماعي.

وفي سنة 1930م حضر الأستاذ يوسف وهبي مع فرقته التمثيلية إلى البرازيل، فاكتنفه بعطفه ووجاهته، فنجحت نجاحاً باهراً، وقد أهداه صورته وكتب إليه بتاريخ 30/11/1930م كتاباً آثرت نشـره لما تضمنه مـن عبـارات الاعتـراف بالجميل، قال:

(إلى أخي وصديقي الحميم عزيز أفندي سمين الذي له فضل علي لا أنساه، وهو كنز عظيم ربحته في رحلتي إلى البرازيل، وأي كنز أثمن من صديق وفيكريم يلاقيه المرء اليوم في العصر الحاضر الذي تطورت فيه الأخلاق وندر الوفاء، إليك أيها المعدن النادر أقدم تذكار الأخوة وميثاق الوفاء لك ولزوجتك السامية وأولادك النجباء).

ولما عاد الأستاذ وهبي لمصر مر بطريقه على باريس، وبها ناجى صديقه الحميم السيد عزيز بمقال نشرته مجلة الصباح في آخر عام 1930م.

السيد سامي شوا: وفي سنة 1936 زار الموسيقار المشهور الأستاذ سامي الشوا سان باولو، ولاقى كل إكرام ومناصرة من صاحب هذه الترجمة.

الزواج الثاني: وعلى إثر وفاة زوجته الأولى سنة 1937م اقترن بالأنسة آديل مطر، وذلك في 23 كانون الأول سنة 1943م.

شراء القصر للنادي الحمصي: لما اشترى النادي الحمصي البناية الحالية كانت مرهونة عند السيد عزيز سمين، وقد تبرع بخمسة آلاف ليرة خصمها من أصل الرهينة التي كانت له على القصر، ولولا وقوفه ذلك الموقف المشرف وإجبار البائع بالبيع للنادي الحمصي لما تم الشراء.

أخوية القديس بولس لبناء الكاتدرائية: كان عضواً عاملاً في سنة 1944م بإدارة هذه الأخوية بعهد الرئيس المحسان العظيم المرحوم أسعد عبد الله حداد، وعين أميناً للصندوق منذ سنة 1947م، ومازال يقوم فيها حتى الآن بالرغم من كثرة مشاغله الاجتماعية.

شراء دار المفوضية السورية: لقد كان الحركة التي لا تقف في نشاطها الاجتماعي عند حد، فقد اشترت الجالية السورية في سنة 1947مقصراً فخماً للمفوضية السورية في مدينة الريو دي جانيرو، وكان الوكيل الشرعي عن البائع المتقدم بالسن ليوقع عنه عقد البيع.

لجنة فلسطين الأولى: كان أحد أعضاء لجنة فلسطين، وقد قامت بمهمتها الإنسانية خير قيام، فجمعت التبرعات لمنكوبي فلسطين، وقد نشرت جريدة الأيام المصرية بعددها المؤرخ 1 نيسان 1948م ورقم 8 بقلم الأستاذ زكي العطار عن هذا النبيل الفاضل ما يلي: ومما يستحق التنويه بالإعجاب الشديد أن بين هذه الجالية الفخمة أفراد عظماء بروحهم وتفانيهم العجيب في الخدمات الاجتماعية والخيرية، فليس من مشروع عظيم يعود نفعه على الجالية أو على بلادهم الأصلية إلا وتصدوا له وسعوا فيه حتى يصبح المشروع حقيقة بارزة، فكم من كاتدرائيات بنوها وملاجئ أنشؤوها ومدارس فتحوها ومستوصفات طبية ومستشفيات عظيمة كلها تحمل اسم السوري قد أسسوها، فبلغوا شأواً عظيماً خالداً على الزمن بفضلهم، وعلى رأسهم ذلك الرجل العجيب الذي كرّس جهده وذكاءه في سبيل الخير والمشاريع الاجتماعية والوطنية الأستاذ عزيز سمين صاحب أكبر محل للأجواخ والأقمشة الصوفية في سان باولو، هذه الشخصية التي كانت تتطوع بالمساعدة العجيبة ليس فقط لمشاريع الجالية، بل في استقبال وإكرام أكابر المصريين الذين سعدوا بزيارة البرازيل، أمثال سعادة عزام باشا، وقطاوي باشا وحرمه، وفرقة يوسف بك وهبي، وسامي الشوا.

وإن ننس لا أنس جبابرة الاستقبال الرائع والشرف العظيم الذي نالهم يوم أن زارهم في مدينة سان باولو حضرة صاحب السمو الملكي ولي عهد الدولة المصرية الأمير المعظم محمد علي توفيق.

المجلس الملي الأرثوذكسي: وفي سنة 1950 ـ 1952مو1954م انتخب ثلاث مرات للإدارة التنفيذية وأميناً لصندوق المجلس الملي الأرثوذكسي.

توسيع نطاق الكلية الأرثوذكسية: لما زار سيادة مطران حمص الكسندروس جحا مدينة سان باولو بأواخر سنة 1949م تألفت لجنة من سبعة عشر عضواً، كان رئيسها المرحوم أسعد عبد الله سيد المحسنين، وأمين صندوقها السيد عزيز سمين لجميع الأموال لمساعدة الكلية، وقد تفانى بجهوده لنجاح هذا المشروع الثقافي النبيل بفضل كرم الجالية الحمصية وعطفها على كل المشاريع.

الأوسمة الممنوحة: منح السيد عزيز وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى بتاريخ 29 كانون الأول سنة 1951م.

منح وسام القبر المقدس من درجة كومندادور والصليب المذهب من البطريرك الأورشليمي في 5 كانون الثاني سنة 1952م.

منح وسام سان سباستبون وغليرمي في 15 آذار سنة1953م من جمعية عالمية يرأسها البرنس دوق كابرييل.

نصف قرن من الجهاد: ومر نصف قرن على هجرته، وذلك من تاريخ 3 آب سنة 1903مإلى 3 آب 1953ﻫ، وما زال المترجم يناصر الأندية الأدبية والثقافية والجمعيات الخيرية خارج الوطن، وبنوع خاص ملاجئ ومياتم فلسطين وبيت لحم، وقد أطرى شاعر حمص الفحل الأستاذ نصر سمعان مناقبه الفريدة، فقال يهنئه:

ذكرتك والزمان المستبد

يعد من الطوارئ ما يُعد

شدائد كلما ثارت وجارت

يبددهن ساعدك الأشد

يريك الدهر للأعمار حدًّا

وعمرك في المكارم لا يُحدُّ

قطعت مراحل الخمسين تبني

بناء عُلًا لقومك لا يهد

تجور على قواك ولا تبالي

وفي إرهاق نفسك تستبد

حياة كلها شرف وعز

وتضحية وإقدام وجد

ملأت معاهد الوطنين خيرا

وراجي الخير عندك لا يصد

وبدّد بؤس أهل البؤس عطف

عليهم من حنانك مستمد

فأمسوا لا تعاني السهد عين

ولا يكوى بنار الدمع خد

لئن أحرزت أوسمة المعالي

فأنت لكل سامي القدر ند

جهادك في سبيل البرنور

وذكرك في فم الحسنات ند

ترى العلياء عندك مبتغاها

ويلقى المجد عندك من يود

زيارته للأرجنتين: وفي 17 نيسان سنة 1952م زار الأرجنتين وأخذت له صورة من الوزير السوري الدكتور زكي الجابي والمرحومة (إيفا بيرون) مع رئيس الجمهورية الأرجنتينية في القصر الوردي، وكان يدعى إلى الحفلات الرسمية فيتقلد الأوسمة حسب التقاليد المرعية.

في الغرفة التجارية: ولما تأسست الغرفة التجارية بتاريخ 2 حزيران سنة 1952م في سان باولو انتخب مستشاراً وعيّن في لجنة مفتشي المالية.

كلمة المؤلف: وفي رحلة المؤلف إلى البرازيل في الربع الأول من عام 1954م كان موضع حفاوة صاحب هذه الترجمة وعطفه، ولا أبالغ في القول إن صرحت على رؤوس الأشهاد بأنه لولا جهوده ونفوذه ومؤازرته والأخ الكريم السيد ألبيرتو الخوري لما ظهر هذا المؤلف لحيز الوجود.

والحقيقة التي لا مراء فيها أن الجالية الحمصية لم تعرف رجلاً عصاميًّا محساناً كالسيد عزيز سمين، فقد ضحى مدة أربعين عاماً بالكثير من ماله ووقته وراحته في سبيل المشاريع الأدبية والعمرانية والخيرية، فإنه بالنسبة إلى ثروته التي تعد جزءاً ضئيلاً أمام الثروات الضخمة لم يتقاعس عن مساعدة أي مشروع يعود نفعه لخير المجموع ورفع شأنه، ولذلك فهو في عرف كل من اختبر عوارفه ومكارمه يعد في طليعة المحسنين مقاماً، وأوفرهم تضحية وأسخاهم يداً.

أوصافه: أما شمائله العبقة، فقد تقمصت فيها أخلاق الأنبياء والصالحين، ذو وجه وضاح وضاء، فيه لفح من جلنار كالقمر الذي زاد في حسنه كلفه النوراني (لولا أفل، لقلت هذا ربي).

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 125 ـ 128).

الأعلام