جاري التحميل

عزيزة هارون

الأعلام

عزيزة هارون([1])

(1923م)

مولدها ونشأتها: ليست هذه الشاعرة الموهوبة العصامية بحاجة إلى تعريف، فهي أشهر من أن تعرَّف، وقد حقَّ لها علينا تخليد جهادها في حقل الأدب وتكريمها لاعتزاز العروبة بنبوغها الأدبي.

انحدرت المترجمة من أسرة نبيلة معروفة بحفاظها على الدين والأخلاق، وهي ابنه الوجيه السري الحاج عمر هارون، ولدت في مدينة اللاذقية سنة 1923م، وتربت في مهد النعمة والفضيلة، وتلقت العلوم العربية على الأستاذ الشيخ سعيد المطره جي.

مواهبها: لقد شغفت منذ صغرها بالأدب، فاستوعبت دواوين العرب وحفظت مختارات أشعارهم، فتوسعت معارفها، وتعتبر هذه الشاعرة عصامية في نشأتها، فهي التي صقلت مواهبها الأدبية بما أخذته من فنون الأدب بالمطالعة والدرس، وتفتحت مواهبها الأدبية كما تنفتح أكمام الورود في سن مبكرة، فعالجت نظم الشعر المتوثب في روحها، وشدت وهي في فجر نبوغها ولما تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها، وأبدعت في ميدانه، وبدأت تنشر قصائدها البديعة في المجلات والصحف، والتقت على صفحاتها مع الشاعرات العربيات المبرزات، وقد بلغت قمة المجد الأدبي.

أدبها: لقد امتازات هذه الشاعرة الملهمة باختيار المواضيع الأنيقة المتشعبة، وأضفت عليها من سحر قوافيها وروعة معانيها وسمو خاليها، وأبدعت ما شاء لها الأبداع في إنتاجها الغزير والتعبير عن خلجاتها الإنسانية، أما الطموح الأدبي فهو سمة يتجلى في ألوان شعرها، يتدفق الإلهام عليها، وتنطلق في سجية النظم دون عنت، وقد صهرتها مرارة الحياة الخاصة فترة، ثم تبدل مجرى حياتها، وهي تعيش في حياة هادئة مع قرين فاضل يفهم معاني الحياة والواجبات، فخلا شعرها من لون التشاؤم الذي طغى على كثير من الأدبيات.

رحلاتها: لقد ظهرت في الندوات كشاعرة ملهمة طار صيتها وعلا ذكرها، وقد دعيت إلى مهرجان موسكو، فألقت قصيدة بليغة آثرنا نشرها بكاملها لروعة معانيها:

من أرض مكسيم الجميـ

ـلة قد أتيتك يا حبيبي

وبمقلتيّ مفاتن الدْ

دُنيا وأحلام القلوب

ماذا أقول وقد أطلْـ

ـلَ الفجر يبسم في الدروب

والزهر ألحان منغمة الطيوب



والنور ألوان ترفْـ

ـفُ فكل بارقة تحيه

والأفق نشوان تعلـ

ـلَق بالهتافات الشجيه

وصبيّة هرعت بأنـ

ـداء الحنين إلى صبيّه

والود منهمر ودنـ

ـيا المهرجان منى سخيه

يا فاتني ماذا أرى

في مقلتيك ظلمت حبي

غيران من صور الجما

ل تعلقت برفيف هدبي

قسماً بآلام العرو

بة قد ضممت عليك قلبي

وعشقت في عينيك وثـ

ـبة أمتي ونضال شعبي

قل يا حبيب أنت في الـ

ـفرسان زهوي واعتدادي

قل يا حبيب أجب سألـ

ـتك بالفداء وبالجهاد

أنا لست أعلم بالسيا

سة كل علمي من فؤادي

أتعود للدنيا كما

كانت معززة بلادي

قل لي سألتك في دم الـ

أحرار يشرق بالحياة

في القدس في الأردن في

أرض الجزائر في الفرات

هذا الدم الموّار يلـ

ـهب في أتون الحقد ذاتي

قل لي متى يا فارس الـ

ـغمرات نفتك بالطغاة

ماذا تقول أعد على

سمعي صداحك عبقريّا

الشعب شعبك يا حبيـ

ـبة ثار جباراً قويّا

فتفجر البركان في

صيحاته يدوي دويا

فإذا لمحت على المدى

لهباً توّقد من محيّا

قولي أخي بالثأر جا

ء فقد تجلى يعربيا

ياللفتى العربي كيـ

ـف تنام فتيان العروبه

والأرض مازالت بقتـ

ـلانا وجرحانا خصيبه

لا لن ترى أيتام يا

فا في بوادينا كئيبه

غني لفرسان الجها

د لساعة النصر القريبه

أنا لم أغرْ يا أخت رو

حي من مدائحك الحسان

في المهرجان ولحنك السْـ

ـسِحريّ زهو المهرحان

لكن شعرت بغضة الـ

ـحزن المرير بعنفواني

وسألت نفسي كيف لا

نعلو على قمم الزمان

وخجلت منك من الديا

ر من العروبة في كياني

وهذه الخريدة جادت بها قريحتها الفياضة بالإلهام في ذكرى الشاعر الإسلامي العظيم (إقبال)، درجناها بكاملها ليطلع القراء على مدى مواهبها الأدبية المكينة:

مرآة ربك في القلوب إذا صفت

بالحب والفردوس في مغناها

وشعاع ربك في بريق كنوزها

وجلال في رفيف سناها

وإذا القلوب صفت هدًى وسريرة

فالله جل جلاله يرعاها

إقبال حدثني عن الأحلام كيـ

ـف تفتحت ببريقه عيناها

أيقظنها باللحن يلهم روحها

بطموحه ويذوب في نجواها

فتساءلت لما زهت أفنانها

عن ملهم من قلبه روّاها

فرأتك في أمجادها وصروحها

ورأتك في أزهارها ونداها

وطن سكبت عليه روحك لهفة

وفديته وعبدت فيه الله

فزهت به زهر النجوم بنغمة

من روح أحمد لا يغيب شذاها

قدسيّة الإشراق تلمع في الدجى

أنوارها وتشع في مسراها

غرر الجمال كثيرة وأحبها

غرر يدوم على العصور صباها

قبس النبوة في شعاع بهائها

والعبقرية في لهيب ضياها

يا شاعر القلب الكبير ويا رؤى

وطن ولهفة أمة ومناها

ألحان قلبك ثورة مشبوبة

بالحق مشرقة على دنياها

ثارت وثار على الخشوع إباؤها

وذكاؤها وصلاحها وتقاها

المجد للحرّ الأبيّ وفي دم الـ

أحرار وثبة أمة وعلاها

وعلى جباه المؤمنين رسالة

تتوقد الآيات في معناها

لا عبد للعلياء يسمو فانهضوا

وتسنّموا قمم العلى وذراها

وتنسموا روح الجراح فإنما

روح الشروق تهب من ريّاها

واعلوا بأسباب الجهاد وحلقوا

بجناح جبريل وآية طه

يا شاعر الإيمان والآلام تسكب في الدنا نعماها




نفسي تذوب من الأسى أنغامها

وتجلّ بالإيمان عن شكواها

الحزن رنمها ولون لحنها

لما تلون في الحياة أساها

عبقت تهيم مع الماء نجومها

لتنير ظلمة بؤسها وشقاها

ورنت إلى الأفق البعيد ولم تزل

ترنو إلى آفاقها ومداها

لجبين أمتها تصوغ قصائدا

من دمعها ودمائها أغلاها

هتفت ترددها لترشف لحنها

برحيقها وفتونها وصداها

وبكت على النغم الشجيّ وما درت

أن الحنان بشدوها أبكاها

فتفجّر البركان من أشواقها

للعز يغمر أرضها وسماها

لتقول للتاريخ هذي أمتي

الخطب أضرم نارها وجلاها

ودعيت إلى مؤتمر المحامين المنعقد في مصر، فكانت درة لامعة في العقد الأدبي، وهي تتمتع بمكانة اجتماعية وأدبية بارزة، وتتحلى بسجايا فاضلة موروثة، وهي قرينة الوجيه المعروف النائب السوري الأستاذ قدري المفتي.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 555 ـ 557).

الأعلام