علي الجارم
علي الجارم([1])
(1879 ـ 1949م)
هو المرحوم علي الجارم الشاعر المصري الكبير، والأديب اللغوي المعروف، لقد تعذر علينا معرفة تاريخ ولادته، وأكد الذين عرفوه أنه لما انتسب إلى الأزهر طالباً سـنة 1901م كـان فـي الثانيـة والعشرين مـن عمـره، فتكون ولادته سنة 1897م على وجه التقدير، نشأ في مدينة رشيد في أسرة ذات علم وأدب، وفي سنة 1901م كان طالباً في الأزهر، يتلقى دروس البلاغة والتفسير على الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، وأنهى دراساته العالية في مدرسة دار العلوم بالقاهرة، ونال شهادتها بتفوق كبير، فأرفدته وزارة المعارف المصرية في بعثة لدراسة علوم التربية في إنكلترا، فأدهش بتفوقه وذكائه ومقدرته أساتذة الإنكليز، واستطاع في سرعة ملحوظة أن يتقن اللغة الإنكليزية ويلم بآدابها وقواعدها.
في خدمة الثقافة: ولما عاد إلى مصر عين أستاذاً في كلية دار العلوم، وتخرج عليه كثيرون ممن لمعت أسماؤهم بعد ذلك في ميدان العلم والمعرفة، وكان له الفضل في الإشراف على إعداد جيل من أساتذة اللغة العربية، ثم اختير مفتشاً للغة العربية في وزارة المعارف، وما زال يرقى في سلم النجاح والتوفيق حتى عين كبيراً لمفتشي اللغة العربية، فكان مفتشاً يرشد الضال ويأخذ بيد الخامل ويشجع العامل، ولما بلغ السن القانونية أحيل على التقاعد، ولكن عارفي فضله وعلمه وآدبه أبوا أن يفقد العالم العربي خدمات هذا العلامة الجليل، فانتخبوه عضواً في مجمع فؤاد الأول للغة العربية، وهو المجمع الذي يضم فطاحل الأدباء والشعراء ورجال اللغة من جميع البلدان العربية، وانتخبه المجمع العلمي العربي بدمشق عضواً فيه.
آثاره: لم يحصر المترجم جهوده في دائرة التعليم فحسب، بل امتد نشاطه إلى نواح عديدة، فقد ألف: 1 ـ كتاباً عن علم النفس الذي مازال يدرس حتى الآن في كلية دار العلوم بالقاهرة، وألف في علوم اللغة العربية كتباً أشهرها: 2 ـالنحو الواضح، و3 ـ البلاغة الواضحة، وقد انتشرت هذه الكتب في الشرق العربي انتشاراً ضمن لها البقاء وكفل لصاحبها الخلود، وسهلت على تلاميذ المدارس تفهم اللغة، وستبقى هذه الكتب متخذة مكانتها في عالم التأليف مهما تقادم عليها العهد.
وقد توفر على الكتابة الأدبية بعد تخلصه من أغلال الوظيفة، فأنتج كتباً جمة تفتخر بها المكتبة العربية، منها:4 ـ شاعر الملك، 5 ـسيدة القصور، 6 ـ فارس بـي حمدان، 7 ـ خاتمة المطاف، 8 ـمرح الوليد، 9 ـ غادة رشيد، 10 ـ هاتف من الأندلس، 11 ـ قصة العرب في إسبانبا، 12 ـ وكتابه عن الأدب الأندلسي يعد مرجعاً في هذا الباب، عدا عن بحوثه القيمة في المجمع اللغوي التي سجلتها أعداد مجلته.
ديوانه: لقد أصدر أربعة أجزاء من دواوينه الشعرية، كان شاعراً من الطراز الأول في العصر الحديث، يمتاز بالتجديد في الأسلوب والعبارة معاً، كما أن أكثر معانيه مبتكر جميل، ولكنه رغم ذلك كان يحتذي حذو كبار الشعراء القدماء كالمتنبي والشريف الرضي في اختيار الألفاظ وقوة الديباجة، وقد جمع بين رقة الشعر التي امتازت بها مدرسة إسماعيل صبري باشا، وبين سلاسة العبارة وقوة الأسلوب التي امتازت بها مدرسة البارودي، فهو أقرب إلى هاتين المدرستين في شعره منه إلى مدرسة أمير الشعراء شوقي بك.
رحلاته: كان رغم جهوده الجبارة يختار دائماً لتمثيل مصر في المؤتمرات الثقافية في مختلف البلدان العربية، وقد زار السودان والعراق سنة 1937م، وألقى في بغداد قصيدة برثاء الزهاوي، كان يهيم بالجمال قوي الإيمان بالوفاء، وهذه قصيدته في الحب، قال:
عاج الخيال فلم يبل أواما | ومضى وخلف في الضلوع ضراما |
مالي وللكحلاء هجت عيونها | فملأن قلبي أنصلاً وسهاما |
يا قلب ويحك ما سمعت لناصح | لما ارتميت ولا اتقيت ملاما |
لعبت بك الحسناء تدنو ساعة | فتثير ما بك ثم تهجر عاما |
والحب ما لم تكتنفه شمائل | غرّ يعود معرة وأثاماً |
والحب أحلام الشباب هنيئة | ما أطيب الأيام والأحلاما |
والحب نازعة الكريم تهزه | فيصول سيفاً أو يسيل غماماً |
والحب ملهاة الحياة وطيبها | ولقد تكون به الحياة سقاما |
والحب نيران المجوس لهيبها | يُحيي النفوس ويقتل الأجساما |
والحب شعر النفس إن هتفت به | سكت الوجود وأطرق استعظاما |
ويعتقد الشاعر أنه إذا كان في الحياة شيئاً فذلك من فضل الله، وفضل الشيخ محمد عبده الذي كان متصلاً به اتصال المريد بشيخه الروحي.
وفاته: وافته المنية فجأة بينما كان يستمع إلى إحدى قصائده العصماء في حفلة تأبين محمود فهمي النقراشي باشا يتلوها نجله بالنيابة عنه، وذلك سنة 1949م، وهكذا قدر لهذا الرجل الفذ الذي عاش عمره مجاهداً في سبيل اللغة والأدب والشعر أن يموت وهو يستمع إلى آخر ما أنتجته قريحته المتوقدة الجبارة من آيات بينات ودرر غاليات.
* * *