علي بن الحسن
علي بن الحسن (ابن النبيه)([1])
كمال الدين المعروف بابن النبيه
(1162 ـ 1222م)
أصله: هو أبو الحسن علي بن الحسن بن يوسف بن يحيى، ويلقب بكمال الدين، ويكنى ابن النبيه المصري، ولد سنة 1162م، وكان عصره عصر حرب الصليبين والمسلمين، ولم يغادر مصر إلا بعد أنه مات صلاح الدين الأيوبي، ولم يتصل به لحداثة سنه، وكان اتصاله بالملك العادل وبابنه الملك الأشرف، وأصبح أثيراً لديه يستصحبه في رحلاته وتنقلاته، وصار كاتب الإنشاء له يدبج عنه الرسائل، ولقي منه كل إعزاز وإكبار.
حياته: كان هذا الشاعر ينظر إلى الحياة نظرة من يريد التمتع بما فيها من خير وجمال، يحب الخمر ويطرب لشربها، وهو يهفو إلى السقاة يتغزل فيهم، ويصف محاسنهم، ويهفو إلى كل وجه جميل، ولو كان وجه جندي من الكماة، وكان يأنس إلى الطبيعة فيصف جمالها ومفاتنها، ويجد لذة في الخروج إلى الصيد والفلاة مع رفقة حسان الوجوه، وكان شعره صورة حية لمشاعره ذا ولع بوصف أعين الحسان، وأنها كالسهام تصيب القلوب فتدميها، وأكبر شيء يسره هو مجلس أنس يجمع بين روضة فيها مختلف الأزهار والورود وقد حفا بها نهر جميل، بين أصحاب تدور الكؤوس عليهم في يد ساق جميل، مع مغن مطرب، فيسكر سكرين: من الخمر، وجمال الساقي.
وهو يذهب في الحياة مذهب الذين يريدون أن ينالوا منها كل متعة ولذة يلتمسونها في كل مكان، وكان مثله الأعلى في الحياة أن يتمتع بها ولا يضن على نفسه بشيء من مباهجها، وكانت ثقته في أن الله سوف يغفر الذنوب جميعاً.
شعره: كان أهم أغراض شعره المدح والغزل والرثاء والوصف، كان يجيد استخدام البديع من غير أن يؤثر في جمال الشعر وقوته، وقد اتخذ المنشدون قصائده فلحنوها للغناء وذاع صيتها، كان شاعراً مفلقاً وكاتباً ناثراً، والقصيدة التي تغنى بها الشعراء والناس وطار ذكرها ومطلعها (أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا) استعطف بها الملك الأشرف، ومطلعها:
أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا | ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا |
من لم يذق ظلم الحبيب كظلمه | حلواً فقد جهل المحبة وادعا |
يا أيها الوجه الجميل تدارك الصْـ | ـصَبر الجميل فقد عفا وتضعفا |
هل في فؤادي رحمة لمتيم | ضمت جوانحه فؤاداً موجعا |
هل من سبيل أن أبث صبابتي | أو أشتكي بلواي أو أتوجعا |
ومنها:
يا عين عذرك في حبيبك واضح | سحّي لفرقته دماً أو أدمعا |
الله أبدى البدر من أزراره | والشمس من فسحات موسى أطلعا |
الأشرف الملك الذي ساد الورى | كهلاً ومكتمل الشباب ومرضعا |
ودت به شمس السماح على الورى | فاستبشروا ورأوا بموسى يوشعاً |
ومن فضائله: أنه كان في أكثر قصائده يحرض الملك على قتال الصليبيين، ولهذا التحريض أثره الوطني والأدبي في النفوس، وكان يرتجل الشعر في المناسبات.
ومن قصائده الغزلية المشهورة التي مدح بها الناصر أحمد أمير المؤمنين، ولحنت للغناء، وذاع أمرها بين الناس وأكثرهم لا يدرون من هو ناظمها هذه القصيدة البديعة:
أماناً أيها القمر المطل | فمن جفنيك أسياف تسل |
يزيد جمال وجهك كل يوم | ولي جسد يذوب ويضمحل |
ما عرف السقام طريق جسمي | ولكن دل من أهوى يدل |
يميل بطرفه التركي عني | صدقتم إن ضيق العين بخل |
إذا نشرت ذوائبه عليه | ترى ماءً يرف عليه ظل |
ومنها:
أيا ملك القلوب فتكت فيها | وفتكك في الرعية لا يحل |
قليل الوصل ينفعها فإن لم | يصبها وابل منه فطل |
ومن موشحاته البديعة التي لحنها للغناء المرحوم كامل الخلعي الموسيقار المصري الأشهر:
هات يا ساقي الحميا | إن نجم الليل غرب |
أنت والأوتار والكأس | للهموم دوا مجرب |
من يكون البدر ساقيه | كيف لا يشرب ويطرب |
وفاته: لقد سكن هذا الشاعر الملهم بلدة نصبين الواقعة على الحدود السورية التركية، وتوفي في اليوم الحادي والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 619ﻫ وتموز سنة 1222م.
* * *