جاري التحميل

علي الدرويش

الأعلام

علي الدرويش([1])

الفنان الألمعي الشيخ علي الدرويش

أصله ونشأته: هو المرحوم الشيخ علي بن الشيخ إبراهيم الدوريش، ولد بحلب الشهباء سنة 1782م، وتعلم بمدارسها حتى نال الشهادة الإعدادية، وكان والده أحد أعلام الفن منتسباً إلى الطريقة المولوية التي تعتبر سؤرة الفن الموسيقي ومهده، فسار على خطى والده باتباع هذه الطريقة التي رأى فيها غايته المنشودة من الناحية الفنية، وكان مرشدها (عامل جلبي) وهو من أسرة مولانا جلال الدين الرومي.

وشاءت الظروف أن تهيئ له الطريق المعبد لدراسة الفن، فتلقى عن المرحوم (كوجك عشان بك) مؤذن السلطان عبد العزيز، وكان من أبرز الموسيقيين الأتراك، وقد أبعده السلطان عبد الحميد إلى حلب، فتعلم المقامات الموسيقية والأبعاد الصوتية ومعرفة كل مقام منها وما يتركب من نغمات، ثم معرفة كل مقام وأي الدرجات التي يمكن الابتداء به، وكيفية الانتقال إلى مقامات أخرى والرجوع إلى الأصل، ثم علم الإيقاع وكيفية ضروبه باليدين وباليد الواحدة، مع تحليل كل إيقاع منها على أصل قاعدة البسيط والمركب والأعرج، وتلقى الموشحات ورقص السماح عن الفنانين الحلبيين المرحومين أحمد عقيل والحاج أحمد الشعار ومحمد ديبو الإدلبي والشيخ صالح الجذبة وأحمد الشيخ شريف وغيرهم.

بعثه عن الموشحات القديمة: وعندما تضلع بأصول الفن بدأ يبحث عن الموشحات القديمة بحلب الموروثة عن السلف الصالح، ورأى من الضروري دراسة النوطة ليتمكن من تدوين هذه الموشحات، فتعلم النوطة على الأستاذ مهران السلانكي، فأخذ عنه الحالات الابتدائية لتعلم قراءة النوتة ـ أي: (الصولفيع) ـ، وبدأ يمارس ويجتهد حتى تمكن بعد خمس سنوات من ربط أول موشح، ثم باشر بتدوين الموشحات وربطها على النوطة، وقد تعهد بعناية ما عبثت به الأيدي بالإصلاح والتهذيب.

أستاذ الموسيقى في قسطموني: وقبيل الحرب العالمية الأولى عين مدرساً للموسيقى بالمدرسة السلطانية دار المعلمين والصنايع في بلدة قسطموني بتركيا، ومكث مدة أحد عشر عاماً تخللها مدة إقامة في استانبول، وانكب يبحث عن الآثار الموسيقية وإكمال نواقصه الفنية، وشرع ذاك الوقت بتأليف كتاب قيم، وعهد إلى الأستاذ الشيخ عبد العزيز من بلدة جبلة بإصلاح عباراته اللغوية.

مؤلفاته: وخلال مدة أربع سنوات أنجز المؤلف كتاباً وسماه (النظريات الحقيقية في علم القراءة الموسيقية)، ومحتويات هذا الكتاب مؤلف من ستة أجزاء: الأول والثاني يبحث في علم قواعد النوتة وعلم الأصوات وما يلائمها من بعضها،والجزء الثالث يبحث في علم الإيقاع وأزمنة ضرورية على النوطة، والرابع يبحث في آله الناي وكيفية العمل بها والعود والقانون أيضاً، والخامس مدون لبعض الموشحات القديمة، والسادس تمارين لكل الأبحاث ضمن الأجزاء الثلاثة.

سفره إلى العراق: وبعد انقضاء هذه المدة التي أمضاها في تركيا رجع لمسقط رأسه بحلب، وبعد سنتين سافر إلى العراق مع فرقة موسيقية حلبية مؤلفة من الفنانين المرحومين عمر البطش وعبده بن عبده ومحمد طيفور، وكان المترجم من أفرادها عازفاً على الناي، وأقام مدة شهرين في بغداد، ثم سافر إلى المحمرة وأقاموا مدة سنيتن عند الأمير خزعل، ثم عاد المترجم إلى حلب يحمل ثروة اشترى فيها عقارات وسافر مرة أخرى إلى العراق للتدريس في معهد الفنون الجميلة في بغداد، وأمضى سبع سنين عاد بعدها إلى حلب في عام 1951م، وعين أستاذاً للمعهد الموسيقي الشرقي بحلب وخبيراً موسيقيًّا في محطة الإذاعة الإضافية.

سفره إلى مصر:ثم سافر إلى مصر بدعوة من المرحوم مصطفى رضا باشا بك رئيس المعهد الملكي المصري، فأخذ معه مؤلفاته وألحانه، وبعد دراسة مؤلفه أقر مجلس إدارة المعهد ابتياعه للمعهد مع بقاء حقوق التأليف للمؤلف بمبلغ (150) جنيهاً مصريًّا، وعقدوا معه عقداً لمدة ثلاث سنوات، قام خلالها بكتابة الموشحات والأدوار القديمة المستعملة في مصر وتدريس النوطة لتلامذة المعهد، وتدريس الناي، والاشتراك معهم بحفلاتهم، فقام بتعهداته وعمله أحسن قيام.

اجتماعه بالمستشرق البارون ردولف دير لنجير: وحضر هذا المستشرق إلى مصر بطلب من الملك فؤاد الأول لفحض الحالة الموسيقية من الوجهة الفنية بمصر، وخاصة في المعهد الملكي، وأشار على الملك بضرورة عقد مؤتمر للموسيقا العربية بالقاهرة، وحضر البارون لمصر للبحث في المواضيع الفنية الموسيقية، وعقد المؤتمر بتاريح 16 آذار 1932م، فدعي الفقيد لحضور جلسات المؤتمر، وكان يمثل سوريا المترجم والمرحوم الفنان أحمد الأوبري والأستاذ شفيق شبيب الفنان الدمشقي، واطلع المترجم على المباحثات الموسيقية الفنية للمسائل التحضيرية، وعين عضواً في لجنة المقامات والإيقاع والتأليف، ولم تثمر اجتماعات المؤتمر عن نتائج فنية مرضية لاصطدام الأبحاث بعقبات عقيمة، كما وأن الكتاب الذي أصدره المعهد الموسيقي الملكي في مصر قد ثبت عدم الاعتماد عليه لاحتوائه على أخطاء فنية فادحة، فأبطل الأخذ بمفعول أبحاثه.

مؤتمر تونس الفني: وذهب المستشرق المذكور إلى تونس فدعا المترجم إلى مرافقته، فأقام مدة شهرين بمهمة تحليل جميع المقامات المستعملة في الشرق وترتيبها على حسب السلم الصاعد والهابط مع بيان الأجناس ـ أي: (النغمات) ـ وكيفية أطوارها وتحليل جميع الإيقاعات إلى بسيط وأعرج، وكلفه البارون بكتابة نوبة من الموسيقا الأندلسية التي تسمى (مألوف)، فألف (14) نوبة أندلسية، ومنحه ملك تونس وسام الافتخار من الدرجة الثانية، ثم عين أستاذاً بمدرسة الموسيقا الغربية، وتولى تدريس قواعد علم الصوت، واتفق أن يدرس كل سنة أربعة أشهر فقط، وله تلامذة كثيرون في تونس.

فنه: لقد خلق المترجم ليكون أستاذاً ومؤلفاً في علم الموسيقا، أما مواهبه في ميدان التلحين فمحدودة، وإن النوبات الأندليسية التي اقتبسها من الألحان التونسية وألفها قد اتسمت بطابع الجمود الفني، والأغلب أن الفن التونسي الشائع هناك هو على هذه الوتيرة الجامدة.

وفاته: وفي يوم الخميس 7 ربيع الأول سنة 1372 هجرية الموافق 27 تشرين الثاني سنة 1952م هوى هذا الكوكب الساطع من برجه الفني ليلحد الثرى مع أسرار فنونه، وخسر المجتمع الفني أقوى فنان أنجبته البلاد الشرقية، ودفن بمقبرة عائلته بحلب، وشيع جثمانه باحتفال يليق بمآثره وتراثه الفني.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 326 ـ 327).

الأعلام