جاري التحميل

علي بن أحمد العاملي

الأعلام

علي بن أحمد العاملي([1])

الشاعر الفذ المتفنن الشيخ علي بن أحمد العاملي

لقد أنجب جبل عامل كثيراً من أعلام العلماء الروحيين والشعراء والأدباء، إلا أن شهرة الفئة الأولى قد طغت على الفئة الثانية فطمست ذكرها، ومن المؤسف أن تظل عناصرها مجهولة، وقد اختفت آثارها بين طيات الكتب وزوايا المكاتب الكبرى.

ليت الذين يحتفظون بآثار هؤلاء الشعراء الأدبية عملوا على طبعها ليطلع الناس على تراثهم ومآثرهم لكان فضلاً منهم وخيراً للمجتمع، أما الاستئثار بها دون جدوى وحفظها عرضة للضياع وعبث الأيدي والدهر يطوي السنين، فتلك جريمة أدبية لا تغتفر، ومن النبل أن يتقدم المحتفظون بها بإهدائها إلى المجامع العلمية لتعمل على طبعها ونشرها خدمة للأدب وتخليداً لأصحابها.

ومن هؤلاء الشعراء الذين أسدل الدهر عليهم ستار النسيان الشيخ علي ابن أحمد الملقب بالفقيه العاملي.

لم أستطيع معرفة تاريخ ولادته ووفاته، سوى أنه اتضح من ديوانه المنقول من مخطوط قديم ـ والذي لم يعرف اسم ناسخه وجاءت هوامشه خالية من تاريخ كتابته ـ أن صاحب هذه الترجمة كان في عنفوان شبابه قد زار مدينة أصفهان الفارسية سنة 1701م، ويفترض أن تكون ولادته وقعت في الثلث الأخير من القرن السادس عشر، ووفاته في الثلث الأول من القرن السابع عشر.

ديوانه: لقد نظم القريض في عهد اللهو والتصابي، وجادت قريحته بأروع القوافي والمعاني أوان اغترابه إلى أصفهان، وكانت بينه وبين السيد نصر الله الحائري صلات ودّ وألفة، فأمره بجمع ديوانه، وقد ضم خمسة أبواب: الأول في مـدح الرسـول الأعظـم ﷺ، والثاني فـي مـدح أميـر المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والثالث في الرثاء، والرابع في المطولات، والخامس في المقطعات.

وتبلغ عدد صفحاته ما يقرب من مئة صفحة في كل منها نحو سبعة عشر بيتاً، وفيه ذكر لعدة أسماء بارزة كانت له معهم مساجلات ومراسلات، منهم الوزير الميرزا أبو الحسن، وقد أرخ وزارته بقصيدته منها قوله:

ألا قد أتى وحي لتأريخه فقل

تولى أمور المؤمنين أبو الحسن

وتضمن ديوانه تواريخ رحلته من أصفهان إلى النجف سنة 1120ﻫ ـ 1701م، وهذه قصيدة، وقد تجلت فيها روحه وعاطفته وشاعريته وحنينه ولوعته وتنديده بالوفاء:

سل وميض البرق إن لاح ابتساما

عن يمين الجزع من أبكى الغماما

أبهذا السحب من آرامه

ما بقلبي فهي للدمع انسجاما

وسل الوابل يا صاح إذا

بكر العارض يحدوه النعاما

هل ترى جيران ذياك الحمى

ظعنوا أم قطنوا فيه دواما

بل هم بالمنحنى من أضلعي

لا حجازاً يمموها وشآما

ليتهم حيث ألموا علموا

أنما قلبي لهم أضحى مقاما

يا رعي الله بهاتيك الدمى

جيرة الحي وإن جاروا احتكاما

وسقى الجرعاء من بطحائها

صوب دمعي وسحاب يتهامى

سلبوا جفني رقادي بعدما

ألبسوا جسمي نحولاً وسقاما

أطلقوا دمعي ولكن قيدوا

قلبي المضنى ولوعاً وغراما

يا وميض البرق بالله فسل

من ظباء الحي إن جزت الخياما

أحلال عندهم سفك دمي

أي شرع حللوا فيه حراما

إن يكن قتلي لهم في رضى

ما عليهم قودٌ فيه دواما

إن للعرب عهوداً ووفا

ما لهذا العرب لم يرعوا ذماما

يالقومي من لصب مدنف

قلبه أضحى كئيباً مستهاما

من ظبى أجفان أجفان الظبا

كل جفنٍ أرهفوا فيه حساما([2])

رحم الله هذا الشاعر الفذ الذي قضى حياته في المرح والطرب، وكانت خاتمة حياته هدًى ورضًى.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 386).

([2] الجفن: غمد السيف، كما أنه جفن العين، وقد قصد سهام اللحظ مجازاً، وهو من أنواع البديع.

الأعلام