جاري التحميل

علي الليثي

الأعلام

علي الليثي([1])
الشيخ علي الليثي
(1820 ـ 1895م)

ولد سنة 1820م، وكان في ابتداء أمره مقيماً بمسجد الإمام الليث، وكان ينزل إلى الأزهر لطلب العلم ويعود للمبيت هناك، كان كريماً على فقره، ثم ورد على قصر الشيخ السنوسي الكبير قاصداً الحج، فاتصل به وأخذ منه الطريق وحج معه، ولما عاد إلى مصر لم يفارقه، بل سار معه إلى الجنوب وأقام هناك مدة لم يفتأ فيها يطلب العلم ويستفيد، ثم فارقه وعاد إلى مصر.

اتصل بأم عباس باشا الوالي فجعلته شيخاً على مجلس دلائل الخيرات عندها، ثم اتصل أيضاً بالأمير أحمد باشا رفعت بن إبراهيم باشا الكبير فاعتقد فيه، وأطلعه على خزانة كتب عنده، فاطلع على ما فيها من نفائس، واستفاد منها، وبسبب سفره إلى جهة الغرب اتهمه الكائدون بعلم الخزعبلات، فلما تولى سعيد باشا على مصر، أمر بجمع من يأكلون أموال الناس بالباطل بهذه الخزعبلات وبنفيهم إلى السودان، فسيق المترجم معهم لما علق به من هذه التهمة، فبقي في السودان إلى أن عفي عنه وعاد لمصر.

ولما تولى إسماعيل باشا الإمارة تلألأ نجم المترجم وبدا سعده، فاتصل به وقربه وجعله نديمه مع نديم آخر، فكانت لهما في ذلك من النوادر ما يملأ الأسفار، وقد بلغ من شغفه بهما، أن خصص لهما قاعة بديوانه يجلسان بها كأنهما من المستخدمين عنده، وقد تقرب الناس إليه وقصدوه في الشفاعات عند الكبراء، ونفع الله به خلقاً كثيراً.

ولما عزل الخديوي وتولى ولد محمد توفيق باشا شغف أيضاً بالمترجم، وأحله محله من القبول، ولما وقعت الفتنة العرابية وسافر الخديوي إلى الإسكندرية، انضم المترجم إلى العرابيين اضطراراً أو اختياراً، فلما عاد بعد الفتنة لم يؤاخذه وصفح عنه، وقابله المترجم بقصيدة مطلعها:

كل حال لضده يتحول

فالزم الصبر إذ عليه المعول

وقد تبرأ في هذه القصيدة من الفتنة، وأبان عذره في الانضمام إلى العرابيين، وزاد بعد ذلك من الخديوي قرباً، وقد جنى المترجم ضيعة فغرس فيها البساتين والكروم، وبنى قصراً صغيراً لنزول الخديوي وحرمه وحاشيته، ولم يزل هذا شأنهحتى مات الخديوي، فلم يكن له حظ مع ولده عباس باشا كما كان له مع أبيه وجده، فجعل أكثر إقامته بتلك الضيعة يشتغل باستغلالها ومطالعة كتبه، فإذا حصر لمصر نزل بداره التي بجهة باب اللوق، فيقيم بها أياماً ثم يعود إلى قريته.

وفاته: اعتلت صحته وطال مرضه أشهراً، وتوفاه الله يوم السبت 10 شعبان سنة 1313ﻫ كانون الثاني سنة 1895م، وقد نال من العز والجاه إلى مماته ما لم ينله غيره.

أوصافه: كان آية في حسن المجالسة، محبباً إلى القلوب، أديباً شاعراً، حاضر الجواب، فكه الحديث، دميم الصورة، أطلس، ليس في وجهه إلا شارب خفيف وشعرات على ذقنه.

ولما حضر السلطان برغش ملك زنجبار إلى مصر ندبه الخديوي إسماعيل لمرافقته ومجالسته، فلازمه مدة مقامه بالقاهرة، وأعجب السلطان به إعجاباً شديداً، ولما عاد إلى بلاده صار يتعهده بالرسائل والهدايا كل سنة.

كان كريماً فيهدي ما ينتج ببساتينه من غرائب الفاكهة، وأصناف الأعناب النادرة، لا يبيع منه شيئاً، واقتنى خزانة كتب نفيسة اجتمعت له بالإهداء والشراء والاستنساخ، وبذل الأثمان الغالية فجلبت له من الآفاق، وعرفه تجار الكتب والوراقون فخصوه بكل نفيس منها، ولما مات اقتسمها ورثته، وبقيت محبوسة لا ينتفع بها.

وكان أدباء مصر وفضلائها يقصدونه في تلك الضيعة، فينزلهم على الرحب والسعة، ويقيمون عنده الأيام والأشهر، وهو مقبل عليهم بكرم خلقه ولطافته ومحاضراته المستحسنة، وقلّ أن يوجد مثله أو يجتمع لإنسان ما اجتمع له من الورع والتقوى.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 429 ـ 430).

الأعلام