عمر تقي الدين
عمر تقي الدين([1])
(1881م)
هو مجدد الأدب الروحي في دنيا العرب، والشاعر الصوفي المبدع بوحيه وإلهامه، وأحد أعلامه العرب في أدبه، ومن رجال القضاء الذين تشرف المنصب بنزاهته وعدله وسعة إطلاعه، وأحد العاملين البارزين لرفع شأن المسلمين والتقريب بين أهل السنة والشيعة وإزالة والفروق التي لا تمس جواهر الدين والوحدة الإسلامية، ومن ذوي المواهب الشريفة والرأي الناضج والكلمة المسموعة في المجتمع، وهو الزعيم الديني الأجل السيد عمر تقي الدين الرافعي.
مولده ونشأته: وهو ابن المرحوم العلامة الشاعر الصوفي المعروف الشيخ عبد الغني بن الشيخ أحمد بن الشيخ عبد القادر الرافعي، وهذا الجد هو أول من لقب بهذا اللقب واشتهر به، وإليه تنسب السادة الرافعية في مصر وبلاده الشام، ويرتقي نسبه إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وينتسب من جهة أمة للسادة الكيالية في الديار الحلبية من العترة الهاشمية.
بزغ نجم هذا الأجل في 3 شوال سنة 1299ﻫ ـ 1881م في مدينة (صنعاء اليمن) لما كان والده رئيساً لمحكمة استئناف الحقوق في العهد التركي.
تلقى دراسته في المدارس الأميرية بطرابلس وبيروت، وسافر إلى الأستانة ودخل مدرسة الحقوق، ولأسباب عائلية تركها قبل إتمام دراسته.
في مصر: سافر إلى مصر وأخذ عن المرحوم الإمام الشيخ محمد عبده تفسير القرآن الكريم، وغيره من العلوم على أعلام عصره.
في ميدان العمل: وأحب أن يمارس للصحافة فلم تأذن له الحكومة التركية بإصدار جريدة في حلب لمعاكسته سياستها الاستبدادية، فعاد إلى وطنه طرابلس سنة 1907م، وتعاطى مهنة المحاماة، ثم انتسب إلى سلك القضاء، ونقل إلى بلاد كثيرة، ثم آثر الانصراف عن خدمة الحكومة وزاول مهنة المحاماة بدمشق سنة 1913م، وزاول أيضاً مهنة التعليم في المدرسة العصرية والكلية العثمانية في بيروت، وعهد إليه بتدريس آداب اللغة العربية بدمشق مدة عمله في محاكم العدلية.
اضطهاده وسجنه: لقد نسب إلى المترجم الأجل إعداد داره بدمشق سنة 1913م لاجتماع الجمعية الثورية العربية، وفي أوائل تموز سنة 1916م قبض عليه وهو مقيم في ناحية (علما) بلبنان، وقاسى آلام السجن والتعذيب، وصدر الحكم بإعدامه مع رفاقه، ثم استبدل القرار بالسجن المؤبد، وبعد بضعة أشهر قضي الأمر بانكسار الجيش العثماني في الجبهة السورية الفلسطينية واحتلال دمشق، فأطلق سراحه مع ابن أخيه السيد عبد الغني الرافعي في 29 تشرين الأول سنة 1918م بعد أن قضى في سجن دمشق سبعة وعشرين شهراً وبضعة أيام، وعاد إلى بلده.
عودته إلى الوظيفة: وعاد إلى القضاء وتجول في مناطق كثيرة، فأوقفه رجل إفرنسي مجرم يدعى جورج ديران، وقد يكون هذا الحادث سبب التطواح به من مكان إلى آخر، وفي سنة 1930م أحيل على التقاعد.
مكانته الأدبية: لو انصرف المترجم إلى الحياة العلمية ولم يعان الوظائف لكان له متسع لإظهار مواهبه، ومع ذلك فإنه لم يقصر في هذا المضمار، فله مؤلفات لم يطبع منها شيء، أهمها كتاب (أساليب العرب في الشعر والرسائل والخطب)، وآخر اسمه (القضية المصرية في القضية العربية).
أما شعره فقد اقتصر على نشر قسم من ديوانه في جرائد ومجلات البلاد العربية، وله قصائد كثيرة في مدح الرسول الأعظم ﷺ، ولم يعرف عنه التزلف بالمدح إلى ذي جاه أو التعرض لأحد بهجاء، وقد وصفه الشاعر المعروف المرحوم عبد الرحيم قليلات بأنه لا يقل عن أكبر الشعراء إجادة وإبداعاً، وقد يفوق الكثيرين في سرعة خاطره وجودة ارتجاله في كل مجال.
الزعيم الديني: ومما يستحق الذكر في مراحل حياته الزاخرة بالكمالات والفضائل أنه بينما كان متصرفاً للمطالعة والتأليف؛ توجهت إليه أنظار العامة والخاصة في وطنه أن يعهد إليه بمنصب الإفتاء، وألزموه قبول هذا (المنصب الديني الجليل) إلزاماً كليًّا، فنزل عند إرادة المجموع ورشح نفسه، وفي يوم 10 آذار سنة 1948م جرى انتخابه وأضربت البلدة وهتفت الجماهير (لا مفتي إلا عمر)، وجرت حفلة تتويجة في دار الوجيه السيد عبد الله الغندور، فوضع الشعار الديني على رأسه، وقد زاده الله بذلك نوراً على نور.
اقترن سماحته من عائلة (أديب عبد الواحد) في طرابلس، ولم يرزق ذرية.
* * *