جاري التحميل

عمر الجراح

الأعلام

عمر الجراح([1])

العازف المتفنن المشهور المرحوم عمر الجراح

أصله ونشأته: هو المرحوم عمر بن صالح الجراح، ولد بحي القيمرية بدمشق 1853م، وكان يسكن مع والديه وإخوته محمد وحمزة وإبراهيم، ثم عطف عليه الوجيه المرحوم محمد رشيد الجلاد المولع بفنونه فاشترى له داراً بسوق القاضي بمبلغ (150) ليرة ذهبية وسجلها باسمه، وسكنها طيلة حياته.

تعلق الأخوة الأربعة بالفن الموسيقي، فتعلموا العزف على الآلات حتى برعوا فيها، وكان الفقيد أكبرهم سنًّا وأبرزهم شهرة وفنًّا، يعزف على آلتي العود والقانون، وحمزة على القانون، ومحمد على الكمان، وإبراهيم على العود.

ألف هؤلاء الأخوة الأربعة فرقة موسيقية، وكان المطربون والمنشدون رشيد عرفه وعبد الله أبو حرب ومحسن الجدا ضابط الإيقاع المشهور يرافقونهم إلى الحفلات والأفراح الخاصة.

فنه: كان المترجم أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، آية في الذكاء الفطري، سريع الأخذ والحفظ للمقطوعات الموسيقية، فقد اشتهر ببراعة العزف على العود والقانون، فذاع صيته في الأقطار العربية والتركية، وأصبح مضرب المثل، لم يك مؤلفاً كغيره من الفنانين والعازفين الأتراك أمثال طنبورجي جميل وطاطيوس وواسيلاكي وعثمان بك وغيرهم، فقد سجل الفن لهؤلاء ما وضعوه من قطع موسيقية خالدة، وكان هؤلاء يعاصرونه ويقدرون مواهبه ويهابون جانبه.

وقد قال الله تعالى:﴿ﲥﲦﲧﲨﲩ﴾، فلا أغالي إذا قلت: إن المترجم مع ما بلغ من التفوق بعزفه فإنه ليس شيئاً مذكوراً بالنسبة لشاعر العبقرية والفن المرحوم ملا عثمان الموصلي الذي أتى بغرائب الإعجاز الفني.

كان المترجم إذا ضرب بريشته على العود أو مست أنامله أوتار القانون حرك الأشجان ببدائع فنونه، ولعب بالقلوب واستلب العقول.

رحلاته: ذهب الفنان المترجم مع عائلته وإخواته إلى استانبول عام 1903م، وأقام بضيافة المرحوم أحمد عزت باشا العابد مدة، ثم استقام فيها مدة خمس سنوات تعرف خلالها على كبار الفنانين والعازفين الأتراك واستفاد من الفنون التركية، فتلقى السماعيات والموشحات التركية فحفظها بإتقان، فكان بروعة عزفه على آلتي العود والقانون يعتبر من أعلام الفن المشهورين، ثم عاد إلى دمشق قبل ثلاثة أشهر من وقوع الانقلاب الحميدي في عام 1908م، وبقي بدمشق، ثم سافر مع المرحوم زكي الخرسا قنصل تركيا في لندن إلى فرنسا وإنكلترا، ودامت سياحته مدة ثلاثة أشهر، وأقام معه في بلدة (مانشستر) مدة، ثم عاد إلى دمشق.

رحلته إلى مصر: لقد سافر المرحوم إلى مصر واجتمع بالفنان المصري المشهور المرحوم عبده الحمولي، وكانت فرقته الموسيقية تضم أشهر وأقوى العازفين، منهم الليثي العواد المشهور، والعقاد العازف البارع على القانون، وقد عزف المرحوم عمر الجراح على العود فأبدع وأتقن، ثم عزف على قانونه الخاص وكان خالياً من العربات النحاسة، وبدت دهشة الفنانين المصريين لما رأوه يستعمل أطراف أظافره بدلاً من العربات فيتحسس لها في إخراج الأرباع والأنصاف وما دونهما بشكل يستهوي القلوب، فقال له الحمولي: (ده أيه يا عمر الجراح، والله أنت جراح القلوب)، كان إذا تجلت عليه نشوة الطرب غازل العود وضرب بريشة مقلوبة، وتلاعب بأفئدة السامعين كما يتلاعب الشاعر أحمد الجندي بقوافي الشعر، وكما يداعب برموش جفنيه أشعة الشمس.

أحواله وأوصافه: كان اسم عمر الجراح كافياً أن يفيض على الأسماع والقلوب البشر والسرور، ومع شهرته الفنية وشبابه الغض فقد كان هادئ الطباع كثير الخجل، يعيش من العطايا والهدايا التي كان يغدقها عليها العظماء والكبراء بمناسبة حفلات الأفراح التي كانت تقام بأبهة وعظمة وبذخ.

قضى هذا الفنان حياته بين الراح والجمال، وكان يلازم الفنان العبقري القباني للاستفادة من فنونه، كان كريماً مبذراً، فلم يدخر في أيام يسره ما يرفه عنه في شيخوخته، ولم يترك لعائلته من حطام الدنيا سوى الدار التي تسكنها عائلته.

وفاته: وفي اليوم الثامن عشر من شهر نيسان سنة 1921 ميلادية انتقل هذا الفنان الذائع الصيت الذي أطرب بفنه المجتمع أكثر من نصف قرن واعتزت بشهرته البلاد العربية إلى رحمة ربه، وكانت جنازنه حافلة بكرام القوم، ودفن بمقبرة أسرته في الدحداح بدمشق، وأعقب ذرية من ذكور وإناث.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 259 ـ 260).

الأعلام