عنبرة سلام
عنبرة سلام([1])
مولدها ونشأته: هي السيدة عنبرة سليم علي سلام زعيمة النهضة الأدبية في نساء الإسلام، التي تسنمت المنابر على حجاب وسفور، وفكان للعروبة والثقافة من فضل موقفها نور على نور.
ولدت في بيروت، ونشأت في أسرة عريقة في مجدها وطيب منبتها، وبعد أن أنهت تعليمها الابتدائي في مدارس بيروت تتلمذت على السيدة جوليا طعمة دمشقية، وهي من رائدات النهضة النسائية الأولى في البلاد العربية، وقد كان لها في توجيهها وتربيتها شأن عظيم وأثر كبير، ولما وقعت الحرب العالمية الأولى أصبحت كل أنواع دراستها في المنزل، وسعى والدها إلى إيجاد أساتذة لتعليمها، فتلقت دراستها على اللغوي الكبير الشيخ عبد الله البستاني واثنتين من المعلمات الفرنسيات، ثم على الأديبة المعروفة سلمى صائغ وغيرهم.
خدماتها الاجتماعية: لقد اشتغلت منذ كانت على مقاعد الدراسة في الجمعيات الخيرية والاجتماعية، وترأست نادي الفتيات المسلمات الذي كان أول ناد نسائي عربي، وكان يضم فريقاً من أرقى فتيات بيروت، وكن يقمن فيه الحفلات، فيحضرها الرجال والنساء، ويحاضر فيها الأدباء والأديبات، وألحقت بالنادي مدرسة تطوع فيها فتيات النادي لتعليم أبناء وبنات العائلات التي قسى عليها الدهر، والتكفل بإطعامهم والقيام على تأمين راحتهم.
وساهمت بعد الحرب العالمية الأولى في الجمعيات التي تأسست لتشجيع المصنوعات الوطنية، وكانت تنشر في الصحف والمجلات بعض المواضيع الاجتماعية الهامة.
في إنكلترا: قامت برحلة إلى إنكلترا لمشاهدة معالمها العمرانية والثقافية، وظلت مدة سنتين عكفت خلالهما على دراسة اللغة الإنكليزية دراسة خاصة كان لها أبلغ الأثر في نضوج ثقافتها، ثم عادت إلى وطنها لتقود النهضة الأدبية النسائية، وقد طلب إليها إلقاء محاضرة عن مشاهداتها في إنكلترا، وعندما حان وقت المحاضرة التي استغرقت ساعتين ارتقت ذرى المنبر في مدرسة الأحد في سنة 1918م سافرة دون سابق إنذار، وقد ذهل الحاضرون لعملها الجريء، إذ سبق لها أن ألقت خطباً قبل ذلك وهي محجبة، فكانت بذلك أول فتاة تسفر علناً في بيروت، وقد حياها الشاعر الملهم عبد الرحيم قليلات بقصيدة عنوانها (عنبرة الأدب في سفورها وحجابها)، قال في مطلعها:
الله للعرب حسبي لطفه حسبي | فيما دهى العرب من كرب ومن خطب |
كرب الجهالة أربى طينها بللا | خطب السياسة في أهل وفي صب |
ومنها:
أمرٌ به العلم، لا رعد الحجاب ولا | برق السفور أمير العقل واللب |
حُييتِ (عنبرة) الفصحى معطرة | روض النهوض بريا عرفك الرطب |
تنشق القلب شاذي نفحه وكفى | ما العطر للعين إن العطر للقلب |
ما قيل، خاطفة الأبصار إذ شهدوا | خطف البصائر من تبيانك العذب |
شفّ الحجا عن سني اللطف محتجبا | والعلم كالنور في تمزيق ذي الحجب |
مراحل حياتها: اقترنت بالأستاذ المرحوم أحمد سامح الخالدي مدير الكلية العربية في القدس المشهور بمآثره، والمسؤول الأول عن تعليم العرب في فلسطين، ولا يزال تلاميذه المنتشرون في الأقطار العربية مدعاة فخر واعتزاز لاسمه وذكراه.
وانتقلت بزاوجها إلى محيط علمي ثقافي اتسعت فيه مداركها، وازدادت معارفها، وساهمت في أعمال بعض الجمعيات، وألقت المحاضرات ونشرت المقالات، ولما أنشئت دار الإذاعة في القدس سنة 1935م كانت أول سيدة تدعى لافتتاح الحديث النسائي فيها.
وكانت تتعاون مع زوجها في شتى الميادين العلمية والاجتماعية والخيرية، وتقوم بدعايات وطنية متواصلة، وكان بيتها منتدى تؤمه الطبقات المثقفة من مختلف الأقطار، فلم يكن يمر في القدس علماء أجانب أو عرب إلا ويدعون إلى بيتها لإعطائهم المعلومات الصادقة عن فلسطين، ويقابلون بالحفاوة والتكريم.
آثارهـا الأدبيـة: لقـد عكفت علـى ترجمـة شـي مـن روائع الأدب الغربي الكلاسيكي، فترجمت عن الإنكليزية قصة (الألياذة)، ثم (الأوذيسة) وقصة (الأنيادة) وهذه لا تزال مخطوطة.
نكبة فلسطين: لقد شاءت الأقدار أن تهجر بيتها في فلسطين يوم حلت النكبة المشؤومة في فلسطين، وأمعن الدهر في قسوته عليها ففقدت زوجها فجأة كما هو واضح في ترجمته في هذا الجزء، وقد أثرت هذه النكبات على حياتها أبلغ الأثر فزهدت في كل شيء وقل إنتاجها الأدبي، ولم يعد لها كبير صبر على العمل.
* * *