جاري التحميل

فكتور البستاني

الأعلام

فكتور البستاني([1])

(1915م)

مولده ونشأته: هو المربي القدير، والأديب الكبير، والشاعر العبقري الصادق بعاطفته، اللوذعي الذي يستلب القلوب باتزانه وحسن إلقائه وروعة بيانه، والكاتب المنشئ والصحفي المكين، وهو ابن ملحم البستاني مؤلف كتاب (كوثر النفوس وسفر الخالدين).

ولد في الدبية في 21 آذار سنة 1915م، وتلقى علومه في مدرسة بلدته، ثم في مدرسة عين ورقة، وراح ينهل من معين (أم المدارس) ذلك المعهد العظيم الذي تخرج منه أعلام الرجال من البستانيين الخالدين وغيرهم من أركان النهضة العلمية والأدبية، فمكث فيه ثمان سنوات كان المتفوق الأول على أقرانه، وتجلت مواهبه منذ صغره فلقب بـ (شاعر المدرسة) لما كان ينظمه من القصائد والأناشيد المدرسية في المناسبات الواقعية.

مراحل شبابه: ولما أنهى دراسته اختير معلماً للصفوف العالية، وظل يعلم الآداب العربية والشعر سنوات عدة، وأتاحت له هذه المدة فرصة للتمكن من العلوم التي اقتبسها، والتضلع من اللغة العربية وقواعدها وأصولها، وأظهر نبلاً بمؤازرة والده في تثقيف إخوته ومشاطرته ذلك العبء المادي الذي ترزح تحته كواهل كبار الأغنياء.

لقد تفتحت مواهبه منذ حداثته كأكمام الورود، فأظهر ميلاً إلى اللغة العربية، فأقبل على درس تاريخ العرب وآدابهم في مختلف عصورهم، ثم عرضت له في سنة 1939م وظيفة في الجزيرة داخل البلاد السورية، فأغتنمها فرصة لتحقيق أمنيته بدراسة أحوال العرب في بواديهم وحواضرهم، ولم يلبث أن ترك الوظيفة والتحق أستاذاً بمدرسة للعازاريين في دمشق لتدريس الآداب العربية، ثم تركها وعاد إلى لبنان، فعين معلماً للآداب العربية في مدرسة الآباء الرسل في جونية، وعهد إليه معهد الفرير بتدريس الأدب العربية ولا يزال.

مواهبه وآثاره: له آثار أدبية كثيرة متفرقة من مقالات وقصائد منشورة في المجلات والجرائد الشهيرة، وقد جادت قريحته بديوان شعر مطبوع بعنوان (ثروة وجهاد) سلك في نظمه طرقاً جديدة، وقد نشره سنة 1945م، ونشر في عام 1950م كتابه (العرب في الأندلس والموشحات) لطلبة القسم الأول من البكالوريا، وأزمع على وضع سلسلة من الكتب في سائر عصور الأدب، وفي عام 1953م أصدر هذا الأديب الشاب المارد الجبار بمواهبه الفذة كتابه (ملك الملوك)، وله آثار أدبية لم تنشر بعد، أهمها (غادة فينيقية) و(آدم وحواء)، وهما شعر.

الملحمة الخالدة: وفي سنة 1957م أصدر ملحمة شعرية تاريخية وطنية تدور وقائعها حول بطولة الملك عبد العزيز آل سعود تخليداً لذكرى أعظم ملك مجاهد عرفه التاريخ الحديث، وإيقاظاً للهمم الراقدة، لتهب وتسير تحت رايته الخالدة.

وذكر في مقدمته الرائعة الأحداث التي مرت على العرب منذ عهد النبوة إلى عهد بطل الجزيرة، ونظم ملحمته الخالدة بلغة فصحى توخى فيها السهولة في النظم ليهون على القراء فهم ما تدور عليه من جهاد شريف وما ترمي إليه من أهداف سامية، ورفع نسخة خطية منها إلى الملك سعود في أواخر شهر أيلول من عام 1955م.

لقد اهتم مؤلف هذه الملحمة بالأدب العربي، ويرى أنه وإن كانت مسرحيات سياستها في هذه الفترة فواجع، فإن ما خلفه عباقرتها وأبطالها موارد خير، وإن في كل حكمة عربية درساً قيماً، وفي كل مثل عربي عظة خالدة، وفي سير أبطال العرب ملحمة تجدد الهمم وتوقظ العزائم الراقدة.

ويرى هذا النابغة أن آداب العرب هي وحدة لا تتجزأ، لكنه يميل إلى أدب الفطرة، أدب نجد والحجاز والبحرين؛ لأنه الأصل، ويرى أنه وإن كان العرب منفصلين بالحدود والأحكام، فإنهم متحدون بالآداب واللغة، وتحدث في ملحمته الفذة عن خلاصة تاريخية للأسرة السعودية.

ونقتطف من روائع هذه الملحمة الفريدة التي تشبه الدرر قطعة عنوانها (حرية فأسر) قال:

نوري يا رياض! إن السماء

سكبت فوق زهرك الأنداء

هو ذا فيصل يطل ويجلو

عنك تلك الأكدار والأرزاء

وسجا الأفق والأمالد هشت

وانبرى الطير يستعيد الغناء

نظرة لم تطل إلى الصبح يبدو

باسم الثغر مشرقاً وضاء

وإذا غيمة أطلت فيا للترك

كم بدّلوا الهناء شقاء

إن (خورشيد) زاحف بجيوش

طالما عطلت دجاها الفضاء

وقال من مقطع بعنوان (فيا جمرة الدهناء):

ملوك لنا فوق السماكين مذهب

وفي الشمس إن ضافت بنا الأرض منصب

فلا الخير يعلينا ومنا اندفاقه

ولا البؤس يدنينا ولا الفقر ينكب

تظللنا الأمجاد حيث قصورنا

وتلزمنا تحت الخيام وتصحب

فيا جمرة الدهناء والرأس شامخ

لأنت من الزرقاء في الذل أطيب

أتيناك يحدودنا إليك رجاؤنا

بأنك للنفس العزيزة مركب

يشنفنا زأر الأسود عشية

ويونسنا تحت المضارب ربرب

وما فيك ذئب يلقح الغدر نفسه

وما فيك تمّام وما فيك ثعلب

لقد كانت هذه الملحمة الفريدة في بابها قطعة من روائع تاريخ الأدب العربي، وهي تمثل عظمة ما نظمه الناظم والمنظومة إليه، وحري بكل أديب اقتناؤها؛ ليتعرف إلى روح هذا الشاعر العبقري الذي تربع على عرش الأدب، وارثاً أمجاد بطرس الكبير وسليمان وعبد الله ووديع من عباقرة الأسرة البستانية وهو في ريعان الشباب.

*  *  *

 



([1](أ) (2/ 269 ـ 271).

الأعلام