جاري التحميل

فؤاد الخطيب

الأعلام

فؤاد الخطيب([1])

الشيخ فؤاد باشا الخطيب

(1883 ـ 1957م)

مولده ونشأته: هو الشيخ فؤاد باشا بن حسن الشيخ يوسف الخطيب، وأصل الأسرة من مصر، نزحت منذ خمس مئة سنة إلى لبنان واستوطنت في شحيم.

ولد الشاعر العبقري في قرية شحيم من قضاء الشوف سنة 1883م، ونشأ بكنف والده وكان قاضياً بمحكمة البداية، ولقد أنجبت هذه الأسرة أفذاذ الرجال في العلم والسياسة، وكان جده قاضياً للقضاة، تلقى علومه الابتدائية في مدرسة سوق الغرب، ثم أنهى دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت بتفوق في الأدب العربي والشعر.

في خدمة العلم: عين مدرساً للغة العربية في كلية الزير بيافا، ثم سافر إلى الخرطوم في السوادن، وعين أستاذاً للفلسفة والأدب العربي في كلية جوردن باشا، وبقي فيها مدة، ومن تلامذته الأستاذ إسماعيل الأزهري رئيس الوزراء في السوادن، والأستاذ أحمد عبيد.

عودته إلى لبنان: عاد إلى لبنان وساهم في الحركة الوطنية التي استهدفت تحرير البلاد من النير التركي، فاجتمع سرًّا ببعض رجالات العرب الأحرار، وكان مع نفر منهم أول من وضع الراية العربية بألوانها الأربعة، التي انضوى تحت لوائها رجال العرب البواسل معلنين ثورتهم العربية الكبرى، وأسس مع حقي العظم حزب الاتحاد اللامركزي، وكان عضواً بارزاً في جمعية المنتدى العربي التي أنشئت سنة 1909م.

ولهذا الشاعر قصائد حماسية مشهورة أكسبته فيما بعد لقب شاعر الثورة، ولا ينسى المجتمع العربي أن أشعاره الثوروية ونشاطه السياسي قد أثار حفيظة السلطات التركية الحاكمة، فطاردته وزملاءه من الحزب اللامركزي، وعبثاً حاول والده ردعه عن سياسته تلك المحفوفة بالمخاطر فلم ينثن، ومضى قدماً في تطبيق أهدافه السامية.

حرق مجموعته الشعرية: ولما رأى والده المترجم أن ولده الشاب الثائر سيكون سبباً في إحراجه والنقمة عليه من الحاكمين الأتراك، أوعز إلى والدته بإتلاف كل ما تجده في حوزة ابنها من كتابات ومخطوطات عربية، فأحرقت له مجموعة من القصائد والأشعار التي كان ينوي طبعها في ديوان خاص، فكانت صدمة أليمة تعرض لها الشاعر الناشئ في باكورة إنتاجه الأدبي، فثار ثائره وغادر بلاده إلى القاهرة، وقد أنقذه البعد ووجوده في مصر من حبل المشنقة التركي الذي فتك بأكثر زملائه العرب الأحرار في سورية ولبنان، وقد حكم عليه بالإعدام غيابيًّا، فكان ينشر قصائده ومقالاته في جريدتي الأهرام والمؤيد، واتصل بإسماعيل صبري باشا والزمرة الأدبية، وسكن مع الشاعر المشهور حافظ إبراهيم في غرفة واحدة.

انضمامه إلى الثورة العربية: ولما قام الملك حسين الأول شريف مكة في ذلك العهد في الثورة العربية الكبرى؛ انضم إليه سنة 1915م، وفاوضه باسم أحرار العرب من أجل استقلال البلاد العربية، وكان أول عربي من خارج الحجاز، واستلم رئاسة تحرير جريدة القبلة، ثم أصبح وكيلاً للخارجية عام 1916م فوزيراً لها عام 1917م، وكان المعتمد العربي في مصر فترة من الزمن، وبعدما وضعت الحرب أوزارها، ونودي بفيصل الأول ملكاً على سورية؛ عهد إليه بوزارة الخارجية، وسافر معه إلى لندن لحضور المؤتمر التمهيدي للصلح، وكان معه في مؤتمر فرساي.

وغادر سورية إثر الاحتلال الفرنسي إلى الحجاز، حيث عين وزيراً للخارجية في المملكة العربية الهاشمية.

في مصر: ولما زال العهد الهاشمي عن الحجاز، ذهب إلى مصر وبقي فيها ردحاً من الزمن، ثم بناء على إلحاح الأمير عبد الله (ملك الأردن فيما بعد) أتى شرقي الأردن وعين مستشاراً خاصًّا لسمو الأمير، وكانت نفثات شعره في قصائد فلسفية وسياسية ورثائية تنشر في حينها في الصحف والمجلات العربية وفقاً للحوادث والمناسبات والتطورات الزمنية، كما كانت قصائده الحماسية تلهب الوطنيين في فلسطين وشرقي الأردن والأقطار العربية فينشدونها فيما بينهم، وينشدها الثوار العرب في أعالي الجبال.

وقد احتجت السلطات المسيطرة آنئذ في شرقي الأردن على بعض قصائده الوطنية، فتصدى لها الأمير طلال (ملك الأردن فيما بعد)، وأفهم المعترضين أن المترجم هو شاعر الثورة ولسان حال الأمة العربية، فليس لأحد أن يعترضه أو يحاول إسكاته، ولعمري هل كان بوسع أحد إسكات شكسبير؟!

نزوحه عن شرقي الأردن: وفي سنة 1940م ترك شرقي الأردن بعد أن سارت السياسة الراهنة فيها عكس ما يشتهي، وعاد إلى وطنه الأول لبنان، وأقام في برج البراجنة في ضواحي بيروت الهادئة منصرفاً إلى إنتاجه الأدبي.

في خدمة الملك السعودي: وفي مطلع عام 1944م جرت بينه وبين جلالة المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود اتصالات ودية، وأصبح من مستشاري جلالته إلى أن عين وزيراً مفوضاً، ثم سفيراً فوق العادة للمملكة العربية السعودية في أفغانستان، وقد توفي وهو في منصبه الأخير.

آثـاره الأدبيـة: لقـد نظـم الشعر وهو الثانية من عمره، وكان راوية يحفظ ما لا يحصى من أشعار العرب، ويقتني مكتبة قيمة، أصدر ديوان الخطيب الأول وهو عبارة عن بقايا قصائد له سلمت من الإتلاف، ورواية فتح الأندلس، أما ديوان الخطيب الثاني وكتابه بعنوان نظرات في تاريخ الجاهلية فما زالا مخطوطين، وله كتاب في قواعد اللغة العربية كان يدرس في كلية غوردون بالخرطوم، وألف كتاباً عن جغرافية بلاد العرب، وله محاضرات كثيرة.

يعتبر هذا العبقري شاعراً من الطبقة الأولى بين شعراء عصره، والمعروف عنه أنه خرج بعد خدمة طويلة من شرق الأردن لا يلوي على شيء، وقد أكرمه الملك السعودي فأهداه هذه الخريدة العصماء، نقتطف منها هذه الأبيات:

تحية تملأ الدنيا وتغريد

ونغمة هي في الأفوه تمجيد

واليوم يجلس فوق العرش صاحبه

وللجزيرة تهليل وتغريد

تزاحمت حوله الأيام في حسد

وكل يوم تمنى أنه العيد

والسعد فردٌ ولكن فيه مجتمع

فهو السعود ومن والاه مسعود

ليث الجزيرة إن يهتف بها انتفضت

لديه فاندفعت منها الصناديد

لو تستطيع الجبال الشم لانخلعت

ركضاً إليه وشدت خلفها البيد

يا لابس التاج وهاجاً ومؤتلقا

المجد فوقك قبل التاج معقود

وبالجلالة في أبهى مظاهرها

إلّا جلالك وهي اليوم توكيد

بوأت نفسك عرشاً لم تشده يد

سوى يديك وعزم منك مشدود

ونلت بالسيف ملكاً أنت سيده

ولم يولك مرسوم وتقليد

وعهد إليه الملك السعودي بمهمة سياسية في لندن، فشاهد من الملق والنفاق السياسي ما أنطقه بالحقيقة، فقال يصف الواقع في قصيدة طويلة هذا مطلعها:

علام ترقب أن تبل غليلا

وإلام ترقب للعثار مقيلا

فانفض يديك من الذين بلوتهم

فلقد صبرت وما صبرت قليلا

هي عصبة دلفت إليك بموثق

لم يغن عنك وقد عثرت فتيلا

وتحوطت في القول حتى خبأت

في طي كل تعهد تأويلا

ومنها:

حتى إذا انحسر القناع تحققت

أن السياسة لم تزل تضليلا

فاكتب عهودك بالحسام فإنه

خير اليراع مجرداً مسلولا

إن الوثيقة لا تكون وثيقة

إلا إذا كان الحسام كفيلا

ما كان يخصمك الذي خاصمته

لو كان سيفك في يديك ثقيلا

وفاته: أصابته ذبحة صدرية وهو في مقر عمله في السفارة السعودية في كابول عاصمة الأفغانستان، وبعد ثمان ساعات أصابته نوبة ثانية فارق على أثرها الحياة في دار الخلود، وذلك في الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الإثنين 15 نيسان 1957م، وقد نقل جثمانه من كابول إلى لبنان حيث ألحد الثرى في مسقط رأسه قرية شحيم في 27 نيسان 1957م.

اقترن صاحب هذه الترجمة بابنة عمه الشيخ محمد الخطيب وأنجب منها المهندس حسن، وهو مفتش في وزارة الأشغال العامة في بيروت، والمحامي الأستاذرياض الموظف في وزارة الخارجية السعودية، وكريمتين: الأولى زوجة المهندس السيد عبد الباسط الخطيب، والثانية قرينة السيد أكرم بن أديب الخطيب الضابط في الجيش السوري.

والمترجم هو شقيق الإداري الداهية السيد بهيج الخطيب الذي تسنم أرفع المناصب السياسية في سورية.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 388 ـ 390).

الأعلام