جاري التحميل

فؤاد محفوظ المعري

الأعلام

فؤاد محفوظ المعري([1])

الموسيقار المتفنن فؤاد محفوظ المعري

يندر جدًّا بين الفنانين المؤلفين من يصدق التعبير عن حقيقة حالته وتاريخ حياته، ومنهم من نسي أو تناسى نشأته وبيئته التي ترعرع بها، وكيف ساعدته الأقدار ووجهته نحو الفن والنبوغ، ومنهم من تذكر عهد بؤسه وفاقته وشقائه في الحياة، فعبر عن مراحلها بصدق وتجرد معترفاً بأن الفن يرفع شأن الوضيع، وصاحب هذه الترجمة الموسيقار الأستاذ فؤاد محفوظ من عناصر الشق الأخير، ومع إعجابي باعترافه بماضيه وهي إحدى مكارم أخلاقه بالنسبة لمن يخفون حقيقة أمرهم لابد لي من التنويه بأن الموسيقى هي قوة غريزية تنشأ مع الإنسان وتنمو معه، لا تنظر إلى أصل الفنان ومنبته، ولا تحتفل بالأحساب والأنساب، ولا تختص بملة أو طائفة أو دولة، بل هي لغة دنيوية عالمية منفردة بمرآتها الصادقة على مسرح البشرية.

أصله ونشأته: هو السيد فؤاد بن المرحوم محفوظ بن الشيخ صالح حيدر الشيخ شعبان، وأصل هذه الأسرة من إدلب الواقعة في الجنوب الغربي من مدينة حلب، كان والده منتسباً إلى الطريقة القادرية، طلي الصوت، عليماً بأصول الأذكار والموشحات والأدوار والقصائد، ولم تكن للخلاعة والرقص العصري في ذلك العهد أي نصيب، بل كان الرقص السائد بين الرجال والنساء هو الرقص (الشيخاني)، وهو أشبه بالرقص المعروف اليوم (بالسماح)، كان تسلية القوم في أذكارهم وأفراحهم.

وفي هذه البيئة الفنية نشأ والد صاحب هذه الترجمة، وتزوج ابنة المرحوم قدور العصفور من بلدة معرة النعمان، ونزح عن إدلب وتوطن في المعرة، وفي اليوم العاشر من شهر ذي الحجة سنة 1319ﻫ وسنة 1900م ولد الموسيقار المترجم، واستقام والده في المعرة، وانقلبت حياته من حفلات الأذكار إلى حياة الحفلات الساهرة، واتخذ المرحوم نورس باشا الحراكي مطرباً خاصًّا له.

تلقى المرحوم الدروس الابتدائية في المدرسة الرشدية الأميرية في معرة النعمان، ولم يستفد من الدراسة إلا النذر اليسير من الثقافة، وأجبرته الحاجة للعمل كصانع فرواتي في المعرة، ولما شب بدأ يحضر مجالس الغناء وظهرت موهبة صوته، ثم تعلق آلة العود فتلقى دروسه الأولى على معلم بسيط، وأكب يتمرن على العزف بجد ونشاط.

بدء حياته الفنية: وحال دون ميله الفني تعصب والده وذويه وضايقوه فحطموا له عدة أعواد، وجاءت الحرب العالمية الأولى فذهب والده إلى الجندية فكان أول ضحاياها، وعندئذ ملك هذا الفنان حريته واستقلاله العقلي وشعر بالوعي والمسؤولية الملقاة على عاتقه أمام والدته التي فقدت معيلها، وقاسى وإياها شطف العيش والفاقة، ومشى الزمن وبدأت مغامرات هذا الفنان الذي دخل في طور الشباب، ورافق بعض أجواق (القر كوزاتية)، وتجول في البلدان العربية بأجرة يومية قدرها خمسة قروش، ثم التحق بجوقة عربية وتركية واستفادمن فنانيها، واتسم بطابعه بالعزف على العود باللون التركي الجميل.

دراسته علم النوطة: وساقته الأقدار إلى حلب فأخذ عن الشيخ المرحوم علي الدرويش الفنان الحلبي المشهور علم النوطة وبعض الموشحات وعلم النغمات وأصول الإيقاع، ودامت دراسته مدة سنة واحدة، وانقطع مورده بعد تفرغه للدارسة، فأوصى أستاذه بعض الفنيين ليرافقهم إلى الحفلات الساهرة للانتفاع بالقليل من الأجر ليؤمن إعاشته وأجرة دروسه، وتعرف في حلب على أشهر الفنانين كالمرحوم عمر البطش وطيفور ونوري الملاح وغيرهم، وأخذ من فنونهم حتى أصبح باستطاعته العمل في أكبر جوقة موسيقية، وأسعده الحظ فاشتغل في مسرح كان يعمل فيه الفنان الأشهر عمر البطش، فأخذ عنه الموشحات العظيمة وأوزانها الصحيحة.

جهوده الفنية: أسس بدمشق مدرسة للتعليم في بيته، واعتزل العمل في المسارح، وأسس عدة نواد كان المدير الفني لها، وأسس نقابة الموسيقيين، واختير رئيساً لها مدة سنتين، وأخرج مجلة الثقافة الموسيقية.

وعندما أسست دار الإذاعة بدمشق عهد إليه بتشكيل الفرع الموسيقي فيها، ثم عين أستاذاً لتدريس العود في المعهد الموسيقي الشرقي التابع لوزارة المعارف، ومازال يعمل فيه حتى الآن، ولديه مجموعة قيمة من الأدوار والموشحات القديمة وقدر ربطها بالنوطة.

وهو مع حلاوة صوته يجيد العزف على العود ببراعة وطرب، وله ألحان كثيرة، وهو من الفنانين الموهوبين الذين تعتز البلاد بنبوغهم الفني.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 293).

الأعلام