فوزي المعلوف
فوزي المعلوف([1])
فقيد الأدب والنبوغ الشاعر العبقري المرحوم فوزي المعلوف
(1899 ـ 1930م)
أصله ونشأته: ولد الفقيد في مدينة زحلة في 21 آيار سنة 1899م، ووالده عيسى بن المرحوم إسكندر المعلوف، ووالدته عفيفة بنت المرحوم إبراهيم باشا المعلوف، تلقى دراسته الأولية في المدرسة الشرقية في زحلة، ثم في مدرسة الفرير في بيروت، وأتقن اللغتين العربية والفرنسية بآدابهما ونظم ونثر.
هجرته إلى البرازيل: وفي 17 أيلول سنة 1921م أبحر من بيروت إلى مدينة سان باولو، وزاول فيها الصناعة والتجارة، ولم يكن عمله هذا ليلهيه عما فطر عليه من حب مزاولة الفن والأدب، فكان ينظم المقاطيع القصائد والملاحم في خلواته كلما لقي فراغاً من وقته، وأنشأ «المنتدى الزحلي» سنة 1922م وترأسه وأقام فيه حفلات، ومثل رواية «سقوط غرناطة» أو «ابن حامد»، وله مساجلات في مجالس أدباء عصره، وساهم في كثير من المشاريع الخيرية والأدبية.
آثاره الأدبية: نظم ملحمتان: أحداهما: «على بساط الريح» في وصف طيارة امتطاها متنزهاً في الجو، وترجمت إلى اللغتين البرتغالية والإسبانية، والثانية: «شعلة العذاب» غير ناجزة، وله دواوين شعرية وهي: «أغاني الأندلس»، و«تأوهات الروح»، و«مـن قلـب السـماء»، و«مجموعـة شعره الوطني والفكاهي»، وجميعها ما عدا الملحمة الأولى لم تطبع على حدة بعد.
ومن آثاره العربية رواية «سقوط غرناطة»، و«صفحات غرام»، و«على ضفاف الكوثر»، و«الحمامة في القفص»، وجميعها عدا الأولى غير ناجز.
وترجم شعر الفقيد إلى اللغات الألمانية والفرنسية والبرتغالية والإسبانية.
كان رحمه الله كثير التشاؤم في مراحل حياته، وكأن حدسه أوحى إليه بدنو أجله فعبّر عن شعوره بقوله:
ارجعي القهقرى أيا ذكرياتي | إن قلبي ذوى ومات |
وأنا عائش بماضي حياتي | فهو حبي من الحياة |
ولم يكن للطوارئ يدٌ في تكييف نفسه، ينقد الحياة من وجهها الواهي:
ألمٌ كلها الحياة فلا تضـ | ـحك ثغراً إلا لتبكي عيونا |
وأكثر ما تتضح فيه نزعة هذا النابغة إلى التشاؤم ملحمته «شعلة العذاب»، وقد فاجأه الموت قبل أن ينجزها.
ومن درر شعره قوله:
مالت، وقالت أنت يا شاعري | صفني، وقل هل لقوامي مثيل؟ |
أليس غضًّا؟ قلت: لم تخطئ | لكنه مع كل ريح يميل |
قالت: وعيني؟ إنها نجمة | رجراجة في ظل جفني الكحيل |
قلت: جماد كنجوم الدجى | عينك، لا رحمة فيها تسيل |
قالت: وشعري كالدجى فاحم | يُغفي به الصب بليل بليل |
فقلت: لم يسودّ لو لم يقع | عليه من روحك طلٌ ظليل |
قالت: وقلبي؟ إنه طائر | في نبضه شدوٌ وفيه عويل |
فقلت: حقًّا إنه طائر | فهو على كل السواقي نزيل |
شعره الغنائي: كان يرى في الفن الموسيقي قرة عينه، ذا إحساس مرهف، فإذا تأثر بالصوت الحسن طافت برأسه الذكريات فذاب جوًى وأشجاناً، ومن شعره الغنائي هذا الموشح البديع:
قومي فأحداق الظلام
| غارت لفرط عنا السهر | ويد السحر | |
تفتض أزرار الغمام | وفم الكمام | ||
وعلى الغدير بدا أثر | في الماء من قُبَلِ القمر | ||
وله موشحة ثانية:
أيا هزار الغدير
| حييت بين الطيور | من نائح مستثير |
بالنوح عطف الزهور
| حيا الإله صباحك | أخذت عني نواحك |
خذه وهات جناحك
| أطر به في الأثير | لأفك قيد سراحك |
وقصيدته على بساط الريح حافلة بالوصف الخلاب والخيال الرائع، ومطلعها:
صعّد الطرف في الأثير تجدني | قاطعاً في الأثير ميلاً فميلا |
خيباً تارة، وطوراً وئيدا | صُعُداً مرة، وأخرى نزولا |
فوق طيارة على صهوات الر | يح راحت تروّض المستحيلا |
هي طير من الجماد كأن الـ | ـجن في صدرها تحث خيولا |
شعره الوطني: تقلب الشاعر فوزي في أطوار ثلاثة منذ العهد التركي حتى الاحتلال الفرنسي فالهجرة، ورواية سقوط غرناطة طافحة بالحماسة الوطنية والمبادئ السامية، ولما قرر الفرنسيون أن يكون العلم الفرنسي وفي وسطه الأرزة علماً للبنان قال:
يا حنيني إلى فضائك لولا | ما به اليوم من غمائم سود |
وإلى الأرز شامخ الرأس لولا | أنهم حملوه ذل السجود |
وضعوه طيّ المثلث تحت | البيض بين الدما وبين الحديد |
وفاته: وفي اليوم السابع من شهر كانون الثاني سنة 1930م قصف المنون يانع غصنه الرطيب إثر عملية جراحية خطيرة أجريت له في ريودي جانيرو، ونقلت جثته إلى مدينة سان باولو ودفنت باحتفال عظيم، ورثاه الشعراء وأبّنه الأدباء.
ولا غرابة في قصر عمره، فالنحلة تعطي جناها شهداً شهيًّا للناس وتتوارى عن الوجود، والورود قصيرة الأجل، ولكن أريجها العبق الذكي يعطر الأجواء ويفعم الأنوف ولو مسها الذبول.
* * *