أبو القاسم الشابي
أبو القاسم الشابي([1])
الشاعر النابغة المرحوم أبو القاسم الشابي التونسي
لقد اشتهرت قصائد الشاعر النابغة المرحوم أبو القاسم الشابي الوطنية، وانتشرت بين الأقطار العربية، ولحنها أشهر المطربين؛ لأنها تعبر عن شعور الشعوب العربية المستعمرة، وقد طلب إلي كثير من الذين يروق لهم هذا النوع البديع مستفسرين عن تاريخ حياة هذا الشاعر الذي قضى نحبه وهو في عمر الورود الفواحة، فآثرت نشرها، وهو جدير بالخلود في هذا السفر التاريخي.
أصله ونشأته: هو أبو القاسم الشابي، ولد في تونس سنة 1906م، نشأ في تونس بين براثن الاستعمار الفرنسي الذي ما فتئ يعمل على سحق الروح العربية في هذا القطر العربي العزيز، تلقى دراسته الأولية والثانوية في مدارس تونس، إلا أن الدهر القاسي الذي يصب فواجعه ومآسيه على العباقرة والنابغين لم يرحم شبابه الغض، وقد حال مرضه وما عاناه من الأسقام والآلام دون إكماله العلوم الجامعية، وعصفت المنية بروحه في سنة 1930م.
لقد نظم هذا الشاعر العبقري الشاب قصائد وطنية وغيرها لم تطبع في ديوان، إلا أنها سارت بين الركبان مسير القمر في الأفلاك لقوتها وعذوبتها وروعةمعانيها.
وهذه قصيدة (إذا الشعب يوماً أراد الحياة)، قد لحنها المطرب حليم الرومي وغيره، وهي دستور للشعوب الضعيفة في الحياة، فمن يسمع أبياتها يهيم في عالم الخيال، وتهزه النخوة العربية:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة | فلا بد أن يستجيب القدر |
ولا بد لليل أن ينجلي | ولا بد للقيد أن ينكسر |
ومن لم يعانقه شوق الحياة | تبخر في جوها واندثر |
كذلك قالت لي الكائنات | وحدثني روحها المستتر |
ودمدمت الريح بين الفجاج | وفوق الجبال وتحت الشجر |
إذا ما طمحت إلى غاية | ركبت المنى ونسيت الحذر |
ولم تتخوف وعور الشعاب | ولا كبّة اللهب المستعر |
ومن يتهيب صعود الجبال | يعش أبد الدهر بين الحفر |
وقالت لي الأرض لما تساءلـ | ـت يا أم هل تكرهين البشر؟ |
أبارك في الناس أهل الطموح | ومن يستلذ ركوب الخطر |
وألعن من لا يماشي الزمان | ويقنع بالعيش عيش الحجر |
هو الكون حي يحب الحياة | ويحتقر الميت المندثر |
فلا الأفق يحضن ميت الطيور | ولا النحل يلثم ميت الزهر |
ولولا أمومة قلبي الرؤوم | لفرت عن الميت حتى الحفر |
فويل لمن لم تشقه الحيا | ة من لعنة العدم المنتظر |
وهذه قصيدة مؤثرة يتحدى فيها الشاعر الشاب الموت والألم، وفي كل شطر منها آيات بينات من الحيوية المليئة بالعواصف المزمجرة وزئير الوطنية الداوية، وهي بعنوان «من نشيد الجبار»:
سأعيش رغم الداء والأعداء | كالنسر فوق القمة الشماء |
أرنو إلى الشمس المضيئة هازئا | بالسحب والأمطار والأنواء |
لا ألمح الظل الكئيب ولا أرى | ما في قرار الهوة السوداء |
أشدو بموسيقى الحياة ووحيها | وأذيب روح الكون في إنشائي |
وأصيخ للصوت الإلهي الذي | يحيي بقلبي ميت الأصداء |
وأقول للقدر الذي لا ينثني | عن حرب آمالي بكل بلاء |
لا يطفىء اللهب المؤجج في دمي | موج الأسى وعواصف الأرزاء |
فاصدم فؤادي ما استطعت فإنه | سيكون مثل الصخرة الصماء |
لا يعرف الشكوى الذليلة والبكا | وضراعة الأطفال والضعفاء |
ويعيش كالجبار يرنو دائما | للفجر، للفجر الجميل النائي |
واملأ طريقي بالمخاوف والدجى | وزوابع الأشواك والحصباء |
وانشر عليه الرعب وانثر فوقه | رجم الردى وصواعق البأساء |
سأظل أمشي رغم ذلك عازفا | قيثارتي، مترنماً بغنائي |
أمشي بروح حالم متوهج | في ظلمة الآلام والأدواء |
النور في قلبي وبين جوانحي | فعلام أخشى السير في الظلماء؟ |
إني أنا الناي الذي لا ينتهي | نغماته ما دام في الأحياء |
وأما الخضم الرحب ليس تزيده | إلا حياة سطوة الأنواء |
* * *