كاظم الدجيلي
كاظم الدجيلي([1])
الشيخ كاظم الدجيلي
(1884م)
أصله ونشأته: هو الأستاذ كاظم الدجيلي بن الحسين بن عبدان بن درويش ابن نها، ووالدته علية بنت ويس العبيد، ولد في قرية دجيل المعروفة اليوم بسحيكة في غضون العقد الأول من شهر جمادى الأولى سنة 1301ﻫ وآذار سنة 1884م، وأصل أسرته من عشيرة الخزرج الذين هم أخوة للأوس من فخد يعرف أبناؤه منذ القديم بالبابليين، وقد هاجر والده بعد ستة أشهر من ولادته إلى بغداد فاستوطن جانب الكرخ منها.
وفي الخامسة من عمره تعلم القرآن الكريم فختمه في ستة أشهر، ونزع إلى القلم والكتابة، ولم يشأ أهله إدخاله في مدارس الحكومة لانصراف أذهان القوم عنها في ذلك الحين.
تعاطى مع والده تجارة الحبوب والقطاني، وأخذ يدرس بنفسه ويطالع كتب العلم والأدب، وقد دفعه ميله إلى قرض الشعر، فترك التجارة بالرغم عن والده، وانقطع إلى الدرس والتردد على فريق من أفاضل العلماء والأدباء، فاستفاد من مواهبهم في شتى العلوم والأدب واللغة والتاريخ، منهم الأستاذ العلامة المرحوم شكري الألوسي، والسيد حسن الصدر الكاظمي، والأب أنستاسماري الكرملي، وجميل صدقي الزهاوي رحمهم الله.
في الصحافة: اشتغل قبل الحرب العالمية الأولى بتحرير بعض الجرائد البغدادية، ثم انقطع إلى إدارة مجلة (لغة العرب)، وقد نشر سنة 1914م مقالة بعنوان (حول الضماد) في مجلة المستقبل المصرية لصاحبها موسى سلامة، فحكم عليه الأتراك بالسجن سبع سنوات بسببها، وحال دون تنفيذ الحكم إعلان الحرب الكبرى.
رحلاته: قام الشاعر المترجم بعدة رحلات إلى إيران وكردستان وأطراف العراق وعربستان، وجاب القرى ومنازل الأعراب، ودرس أخلاقهم وعاداتهم وحالاتهم الاجتماعية، وكتب عنهم ما لم يتهيأ لغيره من الرحالين والرواة، وله معرفة بقراءة المخطوطات القديمة وخبرة في تعيين كتابتها بمجرد النظر إلى أشكال أقلامها وأنواع أوراقها، وهو أديب كثير الولوع بالتنقيب والبحث عن تاريخ بلاده وأحوال أهلها وجغرافية بلادهم قديماً وحديثاً.
مؤلفاته: لقد أنتجت قريحة هذا الشاعر العبقري مؤلفات قيمة، وهذه أسماؤها:
1 ـ رحلة الفرات، 2 ـ تاريخ النجف، 3 ـ تاريخ الكوفة، 4 ـ تاريخ كربلاء، 5 ـ المشاهد المقدسة في العراق، 6 ـ سامراء قديماً وحديثاً، 7 ـ تاريخ الكاظمية، 8 ـ تاريخ البصرة، 9 ـالآثار العراقية، 10 ـ أشعار العرب، 11 ـ أعراب العراق، 12 ـ الأغاني العراقية، 13 ـ صابئة العراق، 14 ـ اليزيدية، 15ـ الأسر البغدادية، 16 ـ الفرق الثلاث، 17 ـ الأمثال العراقية، 18 ـ المصطلحات العراقية، 19 ـ السفن العراقية، 20 ـ الشعر القصصي الحماسي، 21 ـ بغداد، 22 ـ قضاة البصرة وولاتها، 23 ـ سمات الأعراب الحاليين، 24 ـ تركية وإنكلترا في العراق، 25 ـ العراق، 26 ـ العلم والأدب والعراق، 27 ـ الوثنية في العراق، 28 ـ الاحتفالات المقدسة في العراق، 29 ـديوان الدجيلي، ووضع الرسائل وكتباً عديدة لا تزال مخطوطة.
مواهبه الأدبية: وفي سنة 1920م دخل مدرسة الحقوق في بغداد ونال شهادتها، وهو يعرف طرفاً من الإنكليزية وقليلاً من التركية والفارسية، وشاعر انقادت لقوافيه نواصي البلاغة والمعاني والوصف، يمتاز شعره بالصراحة والصدق، وكاتب ناثر جامع لمواضيعه بشكل لا يترك لغيره مجالاً للزيادة عليه، فصيح المنطق واللسان، قوي الحجة، وأحسن أوقات النظم والإنشاء عنده آخر الليل وأول النهار مع الانفراد في المكان، ولو كان للعلم والأدب قيمة في العراق؛ لكان للشيخ الدجيلي مجال واسع لإظهار مواهبه، ولو كان لحرية الفكر حرمة في هذا البلد؛ لرنت حقائق الدجيلي في شعره رنة تحدث بها المجتمع، ولكن خلق الإنسان أسير بيئته، وهذا نموذج من شعره البليغ، قال:
ولي وطن يفديه أناس | بدعوى أن قصدهم شفاؤه |
ولو تركوه يختار المداوي | لأصلح حاله وأزيل داؤه |
وهذه قصيدة نظمها ترضية للنابغة المرحومة ماري زيادة المعروفة بـ(مي) على إثر رده بالمقتطف، وفيها يتجلى غزله الشعري الرائع:
قلبي بكل هواي لاسمك ذاكر | هل أنت شاعرة فإني شاعر |
يرتاح للذكرى هواي ويطرب كلما | وافاه طيف من خيالك زائر |
يا من تحدثت الرجال بفضلها | وبها النساء النابغات تفاخر |
لك في سويداء الفؤاد وفكرتي | وبمقلتي وفمي محل عامر |
إني امرؤ بالنابغات متيم | وإلى النوابغ شوفه متكاثر |
الحب أضناه وبرّح قلبه | وأمضّ آلاماً محب صابر |
لم يبق منه الشوق إلا صورة | يأسى لها لما يراها الناظر |
واهاً لذي أدب يعيش وحظه | قطع بلا وصل وجد عاثر |
ساءت معيشته فكل حياته | نفس معذبة وطرف ساهر |
ومنها:
في كل قلب يا أميمة نبعة | للحب زاهرة وغصن ناضر |
والحب منتجع الحياة وكل ما | أحيا النفوس فذلك حب طاهر |
والحب سلطان تملّك أهله | خضعت سلاطين لها وجبابر |
والحب فلسفة تعذر وصفها | وعن الحقيقة كل فيهم قاصر |
والحب معنى الله أو هو ذاته | طمحت إليه خواطر ونواظر |
إني لأحوي في الفؤاد محبة | لم تحوها للعاشقين ضمائر |
ليتيمه الشرق المضيّع حقّه | دول له تقضي وفيه تناظر |
في عدلها جور وإن حكمت له | ومن الغريب يقال عندك جائر |
تزوج المترجم سنة 1904م، وولد له ثلاث كرائم وابن، ومن أبرز صفاته أنه يحب الصراحة في الفكر والقول والعمل وإن أغضب سامعيه وجرح عواطفهم، ولا يتعاطى الدخان والمشروبات الكحولية، ولم ينتم لأي حزب أو جمعية سياسية، ولديه خزانة نفيسة جمعت من المخطوطات النادرة والمطبوعات القديمة.
* * *