كامل أمين
كامل أمين([1])
(1917م)
ولد الشاعر كامل أمين في طنطا، ونشأ فيها، وقسى الدهر عليه ففقد أمه، ولم يجد من زوج أبيه نصيباً من العطف والرعاية، وكان والده يملك محلًّا لبيع اللوحات الزيتية، فورث الشاعر حب الفن وتذوقه، وتلقى ثقافته في مدرسة الفرير ثم في مدرسة ثانوية، وبعدها التحق في مدارس الجيش متطوعاً، وأكمل دراسته في كلية الحقوق بجامعة عين شمس، ونضجت تجاربه في الحياة التي يحياها، وخاصة في الحياة العسكرية التي عاشها في الميدان خلال الحرب العالمية الثانية.
جهاده: تطوع الشاعر وخاض حرب فلسطين ومعاركها الدامية، وانتهت حرب فلسطين عام 1947م، وعاد الشاعر من الميدان جريحاً مريضاً عاطلاً لا يملك شيئاً، ولجأ إلى أستاذه الشاعر المرحوم (إبراهيم ناجي)، وطرق باب منزله في مصر الجديدة، ودخل يجر رجليه جرًّا، فدهش ناجي، وكان يظن أن الشاعر المترجم استشهد في الميدان، وهاله نحوله وجراحه ورأسه اشتعلت شيباً على حين فجأة، فأدخله المستشفى الذي كان مديراً له لمعالجته، واستمر شهوراً تحت رحمة الأطباء، ثم خرج ليبحث عن عمل، فالتحق في أحد دواوين الحكومة بوظيفة صغيرة ولا يزال فيه.
أدبه: إن قصة حياة هذا الشاعر الثائر كلها عظة وعبر، وهي قصة لذكرياتها وأشجانها أثر كبير في شعره وشاعريته، وفي ديوانه المسمى (نشيد الخلود) صورة كاملة لهذه الحياة الشقية المعذبة التي يتعرض لمثلها اليوم كثير من الشباب عامة وأدباء الشباب خاصة، وقد بدأت حياة الشاعر الفنية منذ بدء أيامه التي قضاها في التعليم الثانوي، فقد درس آثار الشعراء العرب، واستمد من شعر المتنبي قوة الأسلوب، وتصور شعوره بالعبقرية والموهبة، واعتزاز المترجم بنفسه وأدبه يتجلى ذلك في هذه الأبيات التي صدّر بها ديوانه:
إلى الذين سمائي فوق عالمهم | وفوق كل عظيم فوقهم قدمي |
العائشين مع الموتى مناصفة | كالحلم في العين بل كالدود في الرمم |
لئن حييت ومد الله في أجلي | لأسفكن دم الكتاب في قلمي |
وأصرعن أنوفاً لو صنعت لها | أنفاً من العاج بعد اليوم لم تقم |
ممن أخاف وسيف الله في قلمي | ومن أهاب وصوت الحق ملء فمي |
وفي شهر تموز سنة 1947م ظهر ديوانه (نشيد الخلود)، وقد لقي الكثير من تقدير الشباب والقراء، وعرف أدباء البلاد العربية صاحبه الشاعر، وأخذوا يولون أدبه نصيباً كبيراً من عنايتهم واهتمامهم، وفي الديوان قصيدته الخالدة وهي (ملحمة ليالي الشتاء)، تلك القصيدة الإنسانية العظيمة التي تعتبر من درر الشعر الحديث، وقد تميز هذا الشاعر البائس بين شعراء الشباب بواقعية مؤثرة، وموهبة شعرية عميقة، يغذيها الألم والدموع وتصهرها ثورة الشباب وطموحه، ويؤجج ضرامها عاطفة متقدة الأحزان والأشجان، وعلى ألفاظ الشاعر وأساليبه مسحة من القوة والجزالة، وفي معانيه كثير من الاستقصاء والبحث والتحليل والتفصيل والتسلسل الفكري، وهو حين ينظم الشعر يذكر حظه العاثر، فيثور ويسخط على الحياة والأحياء، حتى لكأنه ليس في الحياة ولا من الأحياء، وقد استمد شاعريته من ألمه وبؤسه، وفي قصيدته (ليلة العيد) يصور حظه العاثر، فيقول:
عرفت حظي من الدنيا فلا أمل | أن أصلح اللوح أو أمحو الذي كتبا |
لسوف أحيا غريباً ما حييت ولن | أموت إلا كما قد عشت مغتربا |
من يلمس الموت يشعر بالحياة ومن | يرد حياة يخض من أجلها العطبا |
وما اضطررت لها حبًّا ولا أملا | وإنما يركب المضطر ما صعبا |
وفي ديوانه الشاعر ملحمتان طويلتان: أولاهما (جحيم الشاعر)، وقد أوضح فيها فلسفته في الحياة، والثانية كملحمة (ذكريات ليالي الشتاء) يصف فيها ذكريات حب مات على كفيه، وله ملحمة ثالثة نظمها بعد طبع ديوانه وسماها (ملحمة السماوات السبع)، وهي ملحمة جديدة ليست وجدانية، ولكنها تطوف في ذكريات الماضي البعيد وواقع الحاضر الأليم، والملحمة الشعرية فكرة قديمة في الشعر العربي، ولكن الملاحم الوجدانية خاصة لم يكن لأحد الفضل فيها إلا للشاعر الكبير المرحوم الدكتور (إبراهيم ناجي)، وكذلك الشاعر المترجم قاسم أمين، وهو من تلاميذ ناجي في بعض صور شعره التي يتوهج فيها نور الفن والذكاء والعبقرية، ومع أن البؤس والشقاء وقد رزح على منكبيه فإن قناته لم تلن، واستمع إلى قوله:
شردت عمري واحتسيت شقائي | وظمئت للدنيا وجدت بمائي |
وملأت شعري بالبكاء فلا بكى | أحد علي ولا سلوت بكائي |
ما أرحب الدنيا بما يرجو الفتى | فيها وأضيقها بغير رجاء |
والناس في وادي الحياة مواهب | جمعت على السراء والضراء |
ومنها:
نغمي أخذت من الخلود لحونه | ومواهبي صدرت عن العلياء |
* * *