جاري التحميل

كامل القصاب

الأعلام

 كامل القصاب([1])

المرحوم الشيخ كامل القصاب

(1873 ـ 1954م)

أصله ومولده: هو الخطيب المصقع والمنشئ البليغ، وأحد أعلام العرب البارزين، والزعيم الشعبي المخلص الذي قاد الفكر والنهضة الوطنية والعلمية، والثائر العربي والرائد الوطني الذي ضحى بأمواله وراحته في سبيل قوميته العربية، المرحوم الشيخ كامل بن أحمد بن عبد الله آغا القصاب الحمصي الأصل، وقد استوطنت أسرته دمشق منذ قرن ونصف قرن، وتعاطت التجارة بدمشق.

ولد المترجم نحي العقيبة بدمشق سنة 1873م، وتوفي والده وهو في السابعة من عمره، فكلفه جده لأمه المشهور بأبي علي كريم، كان ذكيًّا، فحفظ القرآن عن ظهر قلبه وجوده على الأستاذ المقرئ الشيخ عبد الرحيم دبس وزيت.

دراسته العلمية: أخذ بدمشق علم الحديث عن المرحوم الشيخ بدر الدين الحسني المحدث الأشهر، والفقه والأصول عن المرحوم العلامة المحقق الشيخ عبد الحكيم الأفغاني، وعلوم اللغة العربية بفروعها عن الأستاذ الشيخ أمين الأرناؤوط وغيره من الأعلام، وبعد أن أتم دراسته سافر إلى مصر وهو في سن الخامسة والعشرين والتحق بالجامع الأزهر، وبقي هناك إلى أن أخذ الشهادة العالمية، وقد تلقى التفسير عن الإمام الشيخ محمد عبده.

مراحل حياته: عاد إلى دمشق فرأى الدولة العثمانية تنهار، فأحب أن يجعل لوطنه كياناً، فأسس مع الشهداء عبد الغني العريسي وتوفيق البساط وعارف الشهابي ورشدي الشمعة وغيرهم من رجالات العرب جمعية (الفتاة)، ثم وجه عنايته نحو الثقافة فاهتم بقضية المدارس، فأسس المدرسة العثمانية، وهي مدرسة أهلية كانت في حي البزورية، وكان المترجم مديرها، ودام عهدها ما يقرب من ربع قرن، وتخرج منها عناصر بارزة.

سفره إلى مصر: ولما رأى الوطنيون أن الوطن ينهار انتدبوه للسفر إلى مصـر، فسافـر واجتمـع بأقطاب اللامركزيـة كالشيخ رشيد رضا ورفيق العظم ـ رحمهما الله ـ وغيرهما، وسألهم عن الخطط التي وضعوها للسير عليها فيما لو انهارت الدولة العثمانية، ولما رأى أنه ليس هناك تشكيلات دولة عربية عاد إلى دمشق على باخرة إيطالية من الإسكندرية، فمرت على سواحل فلسطين وبيروت وطرابلس، وقد منع من النزول إلى البر بأمر من جمال باشا السفاح، ثم توجهت الباخرة إلى مرسين وفيها تمكن من النزول إلى البر، وعاد إلى دمشق عن طريق الأناضول بعد أن قطع ذلك البر الواسع بمشقة زائدة متحملاً الأخطار في سبيل إنقاذ رفاقه في الجهاد من الوقوع في قبضة الأتراك، فوصل دمشق متنكراً، وأبلغ زعماء الحركة الوطنية حقيقة الموقف في مصر.

محنته الأولى: وبعد وصوله إلى دمشق بشهر قبض عليه وأرسل إلى عاليه، ومنع من مخالطة أي كان، ولبث في سجن عاليه أربعين يوماً، وفي ذلك الحين وصل جمال باشا إلى عاليه وحاكمه بنفسه بعد منتصف الليل، وسأله عن سبب سفره إلى مصر، فأجابه بأن السفر كان لأسباب ثقافية من أجل المدرسة، ولما كانت التحقيقات الجارية بحقه غير كافية لإدانته حيث نفى عن نفسه الاشتغال بالسياسةـ والحقيقة أنه نجا من فتك جمال باشا السفاح واستطاع بجرأته وبلاغته إقناع جمال باشا ـ؛ أطلق سراحه، ثم عاد إلى دمشق.

سفره إلى الحجاز: ولما استفحل أمر الأتراك بالبطش بزعماء الوطن خشي على نفسه منهم، فتوجه إلى الحجاز وحلّ ضيفاً على الملك حسين إلى أن اندلعت نار الثورة العربية، وقد بقي في الحجاز سنة ونصف يغدو ويروح بين مكة والوجه ووادي العيس مركز الجيوش العربية، وقد حكم الأتراك عليه بالإعدام غياباً.

في مصر: ولما رأى المترجم أن العمل السياسي في مصر أوسع مجالاً منه في الحجاز انتقل إلى مصر، وأسس فيها حزب الاتحاد السوري، ولبث فيها حتى وضعت الحرب أوزارها يكافح ويناضل في سبيل القضية الوطنية، ثم أسس اللجنة الوطنية العليا بدمشق لتدافع عن حقوق البلاد.

الحكم عليه بالإعدام: ثم وقع الاحتلال الفرنسي، فكان نشاطه وما يلقيه من خطب ثورية قد أقضت مضاجع الفرنسيين، فحكم عليه بالإعدام غياباً، وقد أقام في البلاد العربية متنقلاً بين فلسطين ومصر يعمل للقضية الوطنية، وسافر إلى اليمن وقابل الإمام يحيى حميد الدين سنة 1922م لجمع كيان العرب، ولم يتمكن من الوصول إلى ما يصبو إليه من أهداف قومية لاختلاف آراء زعماء العرب وتطاحنهم على العروش الوهمية.

سفره إلى الحجاز مرة ثانية: لما دخل الملك ابن سعود الحجاز استدعاه إلى مكة، وعهد إليه بمديرية معارف الحجاز، وذلك سنة 1925م، فأكمل ما بدأ به من نشر الثقافة في تلك الربوع، وأسس ما يقرب من ثلاثين مدرسة في شتى أنحاء الحجاز، وبقي يعمل في رفع المستوى العلمي والثقافي مدة سنة ونصف، ثم أصيب بمرض الزحار حتى كاد يشرف على الهلاك، فاستأذن الملك وقفل راجعاً إلى فلسطين بقصد التداوي، فشفي من مرضه بعد معالجة طويلة استمرت عشر سنوات.

عودته إلى دمشق: وفي سنة 1937م أصدر الفرنسيون العفو العام، فعاد إلى دمشق، ورأى أن يخدم البلاد عن طريق نهضة العلماء بعد أن فشلت مساعيه مع ساسة العرب، فأسس جمعية العلماء ومؤتمر العلماءالذي نجح نجاحاً باهراً بمقرراته، ومن الأعمال التي قام بها إسقاطه وزارة جميل مردم بك بسبب توقيعه على قانون الطوائف .

كان ثريًّا عن طريق التجارة، وقد أسس شركة تجارية في مصر تتعاطى مال القبان، وكان تاجراً جريئاً يضارب في أمواله، ويملك عقارات في حيفا استولى عليها الصهيونيون.

وفاته: وفي الساعة الواحدة بعد ظهر يوم السبت السابع والعشرين من شهر شباط سنة 1954م أصيب بسكتة دماغية لم تمهله سوى ثلاثين ساعة، ثم دعاه ربه إلى منازله العلية، وقد أوصى أن تشيع جنازته وفق الشريعة المحمدية، وهو لعمري أحد أعلام حملتها وأحق العلماء بتطبيقها، وصدف يوم وفاته أن قامت مظاهرات عدائية ضد عهد الشيشكلي، فبينما كان الرصاص يلعلع والجيشيقاوم المتظاهرين، صلى عليه بضعة أفراد في بيته وتسللوا به بين الأزقة، وألحد الثرى في مقبرة باب الصغير بدمشق بجوار مقام الصحابي بلال الحبشي.

وأنجب من الأولاد محمد أبا الطيب وقد توفي في حياة والده عقيماً، والأستاذ أحمد أبا الحسن المدرس في الثانوية الشرعية الإسلامية ومدير المدرسة الكاملة المسماة باسم مؤسسها والده رحمه الله.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 77 ـ 78).

الأعلام