جاري التحميل

لطفي الحفار

الأعلام

لطفي الحفار([1])

دولة السيد لطفي الحفار

(1888م)

مولده ونشأته: هو دولة السيد لطفي بن الحاج حسن بن محمود الحفار، والأسرة شامية الأصل قديمة العهد، تعاطى أفرادها التجارة الواسعة، فأثروا من الكسب الحلال.

ولد بدمشق سنة 1888م، تلقى تحصيله في مدارس دمشق، أما ثقافته الشخصية فهي عميقة الجذور مؤيدة بشهادة التجارب، يحفظ الكثير من أشعار العرب وأخبارهم، ويقتني مكتبة نفيسة، وقد عرف وهو طالب بنزعته القومية الاستقلالية.

ألف في عام 1905م مع عصبة من كرام الشباب الجمعية السرية، وانتشرت فروعها في مصر واليمن والأستانة، وبدأ يتكلم بلغة لا يمكن أن تجري إلا على لسان رجل ممتلئ وطنية ونفسه تتدفق بالكرامة والشجاعة.

دهاؤه: وفي أيام الحرب العالمية الأولى اعتقل رفاقه، فمنهم من قضى نحبه شهيداً على أعواد المشانق، ومنهم من نفي إلى مجاهل الأناضول، وقد لعب دوره الحكيم ونجا بفضل الله دهائه من فتك جمال باشا السفاح، وقبع متوارياً يراسل إخوانه في الخفاء، ورافق الحركة العربية في خطواتها الأولى، فكان أحد مؤسسي جمعية النهضة القرشية سنة 1906م، فألهب في شبابها الأكرمين الغيرة، وفي العهد الفيصلي من أبرز المخلصين لعروبته.

كفاحه الوطني: ولما بليت البلاد بالانتداب الفرنسي كان شوكة دامية في قلوب المستعمرين، فقد ألف جمعية التجار، فجابه الفرنسيين في الاتفاقية الجمركية بين سوريا وفلسطين وأجبرهم على إلغائها، وتزعم السياسية الاقتصادية في سورية، وقاوم الشركات الأجنبية بالعمل المنتج.

ولما شبت الثورة السورية عام 1925م كافح مع إخوانه لتحقيق أهداف الثورة بالطرق السياسية الواعية، وأخرج المعارضة الوطنية من مغاور الهمس إلى ميدان الجهر.

نفيه: لقد وضع ميثاقاً وطنيًّا أثناء الثورة اعترف به المندوب السامي الفرنسي، فتألفت إثر ذلك وزارة الداماد أحمد نامي، ودخلها الأستاذ الحفار للإشراف على تنفيذ الميثاق القومي، ولما رفضت وزارة الخارجية الفرنسية تنفيذ الميثاق استقال من الوزارة هو والأستاذ فارس الخوري، وهو في اليوم الثاني لاستقالتهما اعتقلا ونفيا إلى الحسجة في منطقة الجزيرة، فبقيا فيها عامين كاملين، وفي أواخر عام 1928م صدر العفو عنه فعاد إلى دمشق، واستقبل استقبالاً شعبيًّا رائعاً دل على مكانته السامية، ودستوره: (نحن عدنا للكفاح والنضال).

هدمه الجمعية التأسيسية: وفي سنة 1928م دعا المندوب السامي الفرنسي إلى انتخابات جمعيـة تأسيسية لوضـع الدسـتور السـوري، وقد فاز الوطنيون في الانتخابات، وأصر الفرنسيون على مهزلتهم بحذف المواد الست لشمولها على سيادة الأمة، فألقى الأستاذ الحفار خطابه المشهور واضطر المنتدبون لحل الجمعية التأسيسية.

تأليف الوزارة: وفي سنة 1932م فاز بالنيابة، فكان مثالاً في جهادهالوطني، وفي سنة 1936م أدار حركة الأحزاب السورية، ورفع راية الوطنية خفاقة قوق كل بلد سورية، وتولى وزارة المالية في حزيران سنة 1938م، فكان جريئاً في الحق جباراً في نضاله وإخلاصه، ولم يبغ من وراء ذلك غنماً لا جاهاً.

وفي أواخر سنة 1939م كلف بتأليف الوزارة، فشكلها، ولكنه لم يلبث أن اصطدم بالمندوب السامي، فاستقال من رئاسة الوزارة، وهكذا كان كالطود الشامخ في الدفاع عن حقوق بلاده.

لقـد أهلتـه شجاعتـه وحكمتـه ومـا تحلـى به من مواهب وميزات باهرة وما حباه الله من قدرة على اكتناه دقائق الأمور الوطنية إلى الظفر بأسمى المناصب،ولكن الكرامة والاستقامة السياسية والتجرد، وهي من أبرز صفاته في أطوار حياته، يراها فوق كل اعتبار ومنصب مزيف زائل، فعرفت الأمة له قدره، وحفظت له في صدرها جميل أعماله الوطنية المشرفة.

التجاؤه إلى العراق: وفي سنة 1940م التجأ مع بعض رفاقه إلى العراق بسبب المؤامرات التي حاكها الفرنسيون وأعوانهم عليه بسبب مقتل الزعيم الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، وفي عام 1941م عاد إلى دمشق وفاز بالنيابة، ثم تولى وزارة الداخلية.

يوم الجلاء: ولما تم الجلاء عن سورية كان أحد أبطاله العاملين في   الحقل الوطني، فقد تابع جهاده في الوزارة القائم عليها إلى أن استقال منها في أواسط عام 1946م بعد أن تم جلاء آخر جندي أجنبي.

مشروع الفيجة:لقد قام بمجهود حيوي جبار في خدمة دمشق وإعلاء شأن قوميته، فنهض بمشروع جر مياه الفيجة إلى دور دمشق، وهو أضخم مشروع اقتصادي عرفته دمشق، أسسه بأموال وإدارة وطنية، وما زال يتولى رئاسة هذه المؤسسه.

مذكراته السياسية: أخرج ذكرتايه السياسية في جزأين، وهي ذكريات حافلة بآيات الوطنية والتضحية الصادقة، ومنتخبات من خطبه وأحاديثه ومقالاته، وقد رددتها قاعة المجلس النيابي، وهي تشهد له بمواهبه ومواقفه الوطنية المشرفة التي لا تقوى على طمسها صروف الزمن ولا حوادث التاريخ، فقد أتى بالجوهر الرائع من حر الكلام ورائع البيان في خطبه الكثيرة في الحكمة الوطنية، وقد تعرض لأزمات كثيرة لقيها بثبات وثقة خليقتين بأمثاله من أعاظم الرجال، فكان بحق من الأحرار الصابرين.

لقد كان في رسالته الوطنية مسؤولاً عن إعداد ناشئة، فقد بنى جيلاً وبعث نهضة وطنية صادقة، وبنى مجده الوطني التليد على الكفاح الوطني، وتحملمسؤولية النضال.

*  *  *

 



([1](أ) (2/ 107 ـ 108).

الأعلام