لويس صابونجي
لويس صابونجي([1])
الدكتور لويس صابونجي
(1838 ـ 1914م)
مولده ونشأته: هو يوحنا لويس بن يعقوب بن إبراهيم بن إلياس بن ميخائيل ابن يوسف صابونجي الأورفلي، ولد في 7 تشرين الثاني سنة 1838م بمدينة (ديرك) التابعة لولاية ديار بكر أيام خرج إليها والده فراراً من وباء الهواء الأصفر الذي فشا وقتئذ بديار بكر، وسكن والده بمدينة ماردين بعدما هاجرت أجداده من أورفة، ثم انتقل منها إلى ديار بكر، ولما بلغ المترجم السنة الثانية عشرة أتى إلى سورية للدراسة في مدرسة الشرفة بجبل كسروان، وتلقى أصول اللغات العربية والسريانية والإيطالية، وفي كانون الأول سنة 1854م أوفد إلى مدرسة مجمع انتشار الإيمان في رومة، فتلقى فيها العلوم على اختلافها ونال رتبة (دكتور في الفلسفة)، وفي سنة 1863م عاد إلى بيروت ودخل السلك الروحاني، وعين رئيساً للطائفة السريانية، فأنشا فيها مطبعة لنشر الكتب في اللغات العربية والسريانية والتركية، وأسس مدرسة كان لها شأن عظيم.
فنونه: عكف على درس فن الموسيقى فأحكمه، ولما قدم فرنفر باشا والياً إلى جبل لبنان عينه أستاذاً لأولاده ومرشداً لآل بيته في أمور الدين، وعهد إليه بتدريس اللغـات التركيـة والإيطاليـة واللاتينيـة فـي مدرستي الكلية الأمريكية والبطريركية.
في الصحافة: في سنة 1870م أصدر مجلة (النحلة) وتعرض لقضايا سياسية ومناظرات دينية فألغيت، ثم أصدر مجلة أخرى سماها (النجاح)، وضايقه الحكام فأغلقت.
رحلته: طاف حول الكرة الأرضية، فركب البحر في شهر آب سنة 1871م واستكمل دورة الأرض في سنتين وسبعة أشهر، فكان أول طواف عربي أتيح له أن يقوم بمثل هذه السياحة الكبرى، وقد أشار إلى ذلك بقصيدة يفتخر بها، فقال:
وقد طفت حول الأرض شرقاً ومغربا | وصيتي سرى قبلي يذيع برحلتي |
وما طاف قبلي من بني سام طائف | ولا جال منهم بالبسيطة جولتي |
وبعد عودته من رحلته أعاد نشر صحيفة (النحلة) وأصدرها باسم (النحلة العتيقة)، ثم ثارت عليه فتنة من الرعاع كاد يذهب بها قتيلاً، فهاجر إلى ليفربول ثم رحل إلى أميركا ولبث في نيويورك وفيلادلفيا بضعة شهور، عاد بعدها إلى إنكلترا واخترع فيها آلة تصوير وباع حقوقه في امتياز الاختراع، واخترع آلة تصوير أخرى وأحرز امتيازها.
ثم استعاد بلندن نشر صحيفة (النحلة) عام 1877م، وقد أصدرها باللغتين العربية والإنكليزية، وأنشأ فيها جريدة (الاتحاد العربي) و(جريدة الخلافة)، وساعد رزق الله حسون في تحرير صحيفة مرآة الأحوال الشرقية، فنشر آراءه التي ترمي إلى محاربة الاستبداد في الدولة العثمانية.
وتشرف سنة 1879م بمقابلة فيكتوريا ملكة بريطانيا، والحبر الأعظم في رومة، وناصر الدين شاه إيران، وخدم مصالح الدولة البريطانية أثناء الفتنة العرابية وسعى مع مستر (بلونت ولادي عانه) في إنقاذ عرابي باشا من الحكم الذي أصدره غادستون رئيس الوزارة الإنكليزية في إعدامه مباشرة بلا محاكمة.
مواقفه الخطابية: عاد إلى إنكلترا وقام بإلقاء الخطب العلمية والتاريخية وما يتعلق بسياحته، وقد قال عن خطبه:
وإن قمت بين الصم والبكم خاطباً | أنفذ سمع الصم تقريع وعظتي |
وخطب في باريس، فاختاره الملك إدوارد السابع أستاذاً للغات الشرقية في دار الفنون.
في الأستانة: واشتهر أمر المترجم في الآفاق، وقد أتحفه الملوك بالرسائل العديدة التي يعربون فيها عن اعتبارهم له، وفي سنة 1890م، سافر الى الأستانة، فعينه السلطان عبد الحميد بمعيته، وأنعم عليه بدار فسيحة في أحسن بقعة بكل ما فيها من الرياش، وجعل له خمسين ليرة عثمانية راتباً شهريًّا، واختاره أستاذاً لانجاله في فن التاريخ العام، ومترجماً لجلالته من اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية إلى التركية، ثم عينه عضواً في المجلس الكبير لنظارة المعارف، ولبث على هذا الحال حتى أعلن الدستور، فاعتزل الوظائف وانقطع إلى التأليف و المطالعة.
مواهبه: درس عشر لغات فأحكم أصول سبع منها، وكان شاعراً مجيداً، تحرّى في شعره ونثره الكلام البسيط الخالي من التعقيد، وكان فناناً بارعاً في فنون التصوير والموسيقى، وقد رسم صورة طولها أربعة أمتار بألوان الزيت تمثل تسلسل جميع الأديان من عهد آدم إلى يومنا هذا، وفيها 660 شخصاً، ومن أنشأ ديناً أو مذهباً، مع طريقة عبادتهم ورموز عقائدهم وطقوسهم، وهي تحفة لا نظير لها في العالم، اشتغل فيها سنة 1872م، وأكملها 1909م، وألف رسالة باللسان الإنكليزي، ونال أوسمة متنوعة كثيرة.
ومن صفاته أنه كان لا يأكل اللحم ولا يشرب الكحول والقهوة، وله مؤلفات كثيرة يبلغ عددها (43) مؤلفاً، منها المطبوع والمخطوط، وديوان شعري اسمه (شعر النحلة في خلال الرحلة)، وقد تطرق في قصائده إلى مواضيع شتى، ومن روائع قوله في الغزل:
أسيلة خد افتديها بمهجتي | مهاة تصد العاشقين بلحظة |
تبدى هلال العيد من برج فرقها | فلاح سناء البدر من سين طرة |
لها حاجب كالقوس يرشق أسهما | تمزق أحشاء المعنّى برميه |
ولو أفرغ النقاش جعبة فكره | لما خط قوساً شبه ذاك بريشه |
ومن ذا رأى قوساً تكسر قابها | تفوّق سهماً لا يخل برشقة |
على عرش باهي الخد خالٌ قد استوى | يسود على أهل الغرام بسطوة |
لها معصم مثل اللجين وأنمل | إذا مسّها المسقوم فاز بصحة |
فباتت تسليني بلطف حديثها | وتسحر عقلاً متعته بلذة
|
وغنت بصوتٍ هيج القلب قده | كورقاء تشدو فوق غصن أريكة |
إذا جن ليلي كنت لي خير مؤنسٍ | ووجهك بدري في تمام ورفعة |
وفاته: توفي سنة 1914م في إنكلترا.
* * *