جاري التحميل

ماري عجمي

الأعلام

ماري عجمي([1])

(1888م)

هي أول فتاة في دمشق رفعت راية الأدب وجارت الرجل في ميدانه، واشتركت في الجمعيات الأدبية، وكانت من أقوى أركانها، فهي إحدى رائدات النهضة الفكرية النسوية في المشرق العربي، ومن أبرز مآثرها أنها ظلت تكافح وحدها سياسة المستعمرين بقلمها في بلاد الشرق العربي في وقت كانت كل الأقلام فيها تشايعهم، وتذيع دعاياتهم المسمومة، ومما يذكر عنها أنها رفضت أن تقبل جميع العروض المالية التي قدمت لها من الإنكليز والفرنسيين على شكل مساعدات لصحيفتها (العروس).

مولدها ونشأتها: هي ابنة عبده بن نقولا عجمي، ولدت بدمشق في 14 أيار سنة 1888م، من أسرة حموية الأصل، نزح جدها إلى دمشق منذ مئتي عام، وكان تاجراً في العجم وتفرع عن أخويه صروف وعبد النور أحفادهما وغلب عليهم لقب (العجمي)، تلقت العلوم في المدرستين الروسية والإرلندية، ونالت شهادتها في تموز سنة 1903م، وبعد أن مارست التعليم عاماً واحداً التحقت بمدرسة التمريض في الكلية الأمريكية، إلا أنها لم تكمل الدراسة بها لمرضها، ثم تنقلت من سورية ومصر حيث اشتركت في التعليم والصحافة والخطابة في جرائد البلدين ومحافلها.

مآثرها الأدبية: في عام 1910م أنشأت مجلتها الذائعة الصيت (العروس) في الإسكندرية، ثم نقلت مركز نشاطها الأدبي إلى بيروت ودمشق، وقد استمرت في إصدارها حتى عام 1914م، ثم توقفت عن الصدور إلى أن استأنفته بعد انتهاء الحرب العالمية عام 1918م، وبعدها توقفت في عام 1925م، بعد أن ملأت بشهرتها وفائدتها الأوساط الأدبية في البلاد العربية بفضل نشاطها ومثابرتها، إذ كانت تتولى كتابتها كلها إنشاءً وترجمة، هذا ما عدا مساهمتها في سائر الصحف والمجلات العربية في الوطن والمهاجر، ويتميز نثرها بالقوة والحماسة والإيمان.

وقد كان للمترجمة في الأيام التي شلَّ فيها النشاط الأدبي من أعوام الحرب العالمية الأولى نشاط سياسي وإنساني، فقد جاهدت في نصرة المحكومين السياسيين زائرة السجون مواسية المنفيين، مستشفعة الطاغية جمال باشا، حتى كادت تجازى على معروفها شرًّا، هذا عدا جهدها في النادي النسائي التركي العربي وإنشائها المدارس وإعطائها الدروس الخاصة لتلميذات عديدات.

وبعد أن توقفت مجلتها (العروس) عن الصدور اكتفت المترجمة بالاشتراك في الجمعيات النسائية الأدبية وبقرض الشعر وقد فازت ببعض المواد في المسابقاتالتي أقامتها محطة الإذاعة البريطانية أثناء الحرب.

لقد نضجت عبقرية هذه الشاعرة الأدبية قبل الأوان، وأعادت إلى الخواطر ذكرى الشاعرات العربيات، وكانت أستاذة الأدب العربي في معهد الفرنسيسكان بدمشق تعلم الطالبات الشابات أدب العربية على أحكم دراسة وأقوم طريقة، وكانت تحاضر عن المعري والجاحظ، وغيرهما من أعلام الأدب العربي، لقد طلعت ببيانها السحري بدمشق كزهرة فواحة العبير في عهد لم يكن بالشام امرأة تحسن الإملاء والإنشاء، وكانت مجلتها (العروس) تتهادى بحلة الفن والأدب، فأصدرت منها أحد عشر مجلداً، وقامت بتكاليف المجلة سنين طويلة، وقد استعانت بثقافتها الواسعة من الأدب السكوني، وهذا نموذج من شعرها الرقيق يفيض بحسها الدقيق وتعبيرها البليغ، وخيالها الرحيب، حيث تعتصر الآلام قلبها أو حين يستخفها الطرب ويستهويها الرضى والجمال، وهذا مقطع من قصيدتها الفجر:

يا وردتي من ذا سقاك الندى

وبث أسرار الهوى في العيون

وأيقظت أنفاسه سحره

هذي الأفاحي الساحرات الجفون

من ذا الذي وافى على غرة

فهاجت الأرواح بعد السكون

وأفرغ الأطياب في روضة

عطفاً على العود السجي الحزين

وأشعل الأضواء فوق الربى

وأنعش الصادي وفك السجين

من ألبس الوادي وشاح البها

وعلم الأطيار هذه الفنون

وفضفض الأمواج كي تنجلي

مرآتها عند انحناء الغصون

وقد ناجت هذه الشاعرة البائسة وردة الصيف بلهيب من العاطفة تعبر عن خلجات روحها وقد طغت عليها مسحة من الحزن والألم فتقول:

يقولون: الصبا روض خصيب

وأين الروض في هذا العراء

فلا ظل ولا ورق يقيني

هزيم الرعد في حلك المساء

ولا أُنس يطيب ولا حبيب

يرد بجنحه عصف الشقاء

ولا قلب يجيب صدى حنيني

ولا عين تتوق إلى لقائي

كأني للنوائب صرت أهلا

أداري داءها فيعز دائي

بذا تقضي السماء فلا مرد

وهل من ناقض حكم السماء

على روض الشباب نثرت دمعي

عسى تخضرّ أعواد الرجاء

تعيش شـاعرة دمشـق العبقريـة علـى ذكرياتهـا الحبيبة في ذهول وإطراق وشحوب، ننتظر أجلها المحتوم ببؤس وشقاء.

وقد تجنى عليها من جافاها بسبب صراحتها وترفعها عن الرياء، وقد شاع ذلك في آثارها الأدبية وفي أسلوب التهكم الذي كانت تصيب بلمحاته الخاطفة ما لا يصيب غيرها بالنقد والتعبير، وكفاها عزاء وسلوى أن فضلها الأدبي دخل في ذمة التاريخ والخلود.

*  *  *

 



([1])  (أ) (2/551 ـ 552).

الأعلام