متري المر
متري المر([1])
الفنان الموسيقار السيد متري المر
مولده ونشأته: هو الأستاذ السيد متري بن الخوري إلياس المر، ولد بطرابلس في 7 تشرين الثاني سنة 1880م، ولما ترعرع لقنه والده مبادئ القراءة والكتابة، ثم قرأ الكتاب المقدس على معلمة عمياء اسمها (رفقة الكزلك) وكانت آية في حسن الصوت، فلقنته إياه تلقنياً بارعاً على نغمته المعروفة، ومن ذلك الحين بدأ يظهر جمال صوت المترجم وميله للموسيقى، وكان يقف في خوروص الكنيسة إزاء الموسيقار يوسف الدوماني أول مرتلي البطريركية الأنطاكية السابق، وكان شيخاً جليلاً وموسيقيًّا كبيراً، نزح من دمشق عقب حوادث 1860م المعروفة، وتوطن في اسكلة طرابلس.
نبوغه الفطري: لم يبلغ الثامنة من عمره حتى تمكن بنبوغه من معرفة الألحان البيزنطية الثمانية ومن الترتيل فيها ترتيلاً مستحسناً، و لم بلغ الثالثة من عمره أدخله والده مدرسة (كقتين) الداخلية برئاسة غبطة البطريرك الأنطاكي غريغورس حداد يوم كان مطراناً على طرابلس، وفي السنة التالية تتلمذ على الموسيقار يوسف الدوماني وحفظ الفن والسلالم الموسيقية البيزنطية وهي كثيرة بمدة وجيزة.
رحلاته وشهرته الفنية: وفي سنة 1895م عين مرتلاً أولاً لكنيسة طرابلس، وفي أواخر سنة 1896م عاد إلى مدرسة كقتين فانكب على تعلم اللغة العربية على اللغوي الأستاذ عيسى إسكندر المعروف ووضع خلالها لحن (المجداية الكبرى) تلحيناً ظهر فيه نبوغه الفطري، وفي أواخر سنة 1891م أقفلت المدرسة وتوفي أستاذه الدوماني فتعاطى التجارة في وطنه طرابلس وظل يرتل في كنيستها، وفي عام 1903م عينه البطريرك ملاتيوس الدوماني أستاذاً للموسيقى في مدرسة (البلمند) فتخرج عليه كثير من الموسيقين، نكتفي بذكر الأحبار الكسندروس وتريفن ونيفن واغناطيوس وابيفانوس وبولس مطارنة حمص واللاذقية وزحلة وحماة وعكار وصور وصيدا ورئيس أساقفة (توليد وأوهايو وصموئيل داود).
وفي سنة 1907م تزوج بحفيدة معلمه الموسيقي الآنسة (نزهة) ابنة الدكتور موسى الدوماني ورافق عام 1912 مالبطريرك غريغورس في دورته الرعائية في سوريا ولبنان، ومنحته البطريركية رتبة (بروتوبسالتي البطريركية) أي أول مرتل فيها.
وفي سنة 1909م طلب منه تلحين نشيد معروف الرصافي المشهور (نحن خواضو غمار الموت)، وفي سنة 1913م رافق المترجم البطريرك في رحلته إلى روسيا فأنعم عليه القيصر بالميدالية المختصة باليوبيل ثم بوسام القديسة حنة من الدرجة الثالثة، و أثناء مروره باستانبول اجتمع بأعظم رجال الفن، فكان موضع إكرامهم وإعجابهم، وقد لحن هناك دعاء قدمه إلى البطريرك المسكوني جرمانوس، نشرته المجلة الموسيقية التي كانت تصدر بالعاصمة ونشرت له قطعاً كثيرة، وقرظت تلك المجلة المترجم وفنه، وذكرت لمحة من تاريخ حياته، فطارت شهرته في الأقطار اليونانية وسواها.
وبعد عودته من هذه الرحلة استأنف تعليم الموسيقى في مدرسة البلمند حتى عام 1914م وفي عام 1916م ذهب إلى دمشق وأقام فيها حتى نهاية الحرب الأولى، وبعد دخول الحلفاء دمشق وتأليف الحكومة العربية لحن النشيد الوطني السوري (نادت الأوطان) واعتبر نشيداً رسميًّا بناء على قرار المؤتمر الوطني، وفي عام 1924م رحل مع عائلته من طرابلس إلى بيروت واستوطنها وتعاطى التجارة وبدأت مواهبه الفنية تتقد، فلحن قطعات كثيرة.
إنتاجه الفني: لقد اشتهرت أناشيده في البلاد العربية لبلاغة تعبرها وقوة ألحانها وأثرت في عواطف الجمهور فألهبت الحواس وتلقاها بشغف وافتتان، منها نشيد (الشهداء) أبت العين أن تذوق المناما، من نظم الشاعر خير الدين الزركلي، وهو أول من أقام الحفلات الغنائية الراقية في بيروت، واشترك فيها أعظم العازفين على الآلات الشرقية والبيانو، وكانت تنشد في هذه الحفلات ألحانه فتنتشر بسرعة البرق في المدارس والبيوت والأندية الراقية، و قد طبعها مع العلامات الموسيقية الأوروبية التي وقف على أسرارها، وتهافت العازفون والمغنونعلى أخذها والتغني بها في السهرات لأنها من الشعر الراقي الأدبي وفيها الكثير من الموشحات مما نظمه الأخطل الصغير نظير (صداح) و(كيف أنسى) ولحن وديع عقل، ونشيد الاصطياف (حفت مها غسان) وللشيخ إسكندر العازار (ياجيرتي) ولشبلي ملاط (يا قومنا هيا بنا) وللشيخ خليل تقي الدين (تعالي إلي) التي طبقت شهرتها الخافقين كما طبقت قبلها شهرة أنشودة (ظبية الأنس) ثم أخذ ينظم ويلحن بعد أن وجد في ذلك لذة كبرى، ومما نظمه ولحنه (يا بلادي) ولبنان السامي و(شهدت سقمي الليالي) و(يا أنس ماذا جنينا) وله في الزجل المصري مقطوعات لحنها وتغنى بها وهي (ليه قلبك قاسي) و(القمر في الجنينة) و(ربيع القلب).
أما أناشيده الوطنية وسواها فمنتشرة في لبنان وسوريا والعراق وسائر البلاد العربية.
رحلته إلى الولايات المتحدة: وفي عام 1930م قام برحلته إلى الولايات المتحدة بناء على دعوة أصدقائه فيها فجرى له استقبال حافل في نيويورك ورحبت بمقدمه جرائد الوطن في المهجر، وأقيمت له الحفلات التكريمية في بعض الولايات، ونشرت الجرائد الأمريكية صورته وكتبت عنه الفصول الطوال، وبعد عام من رحلته إلى بيروت مقر تجارته وهو بالرغم من أشغاله التجارية المتزايدة في محلاته ببيروت ودمشق مازال ينظم ويلحن وينشد كلما اقتضت الظروف، وقد استحضر آلات كبيرة التسجيل، وبدأ يسجل أغانيه وأغاني كبار المطربيـن فـي الشـرق العربـي وسجل الكثير منها (يا هاجري) و(بلادك عدتك العوادي) و(نشيد الجامعة العربية) و(نجمة الصبح هبيني) و(هل تخبريني يا منى) وغيرها من الأناشيد الحديثة المطربة.
ويعتبر المترجم من أعلام الفن يضاف إلى مواهبه هذه أخلاقه الفاضلة ومناقبه الحميدة.
* * *