جاري التحميل

محمد الأسعد العظم

الأعلام

محمد الأسعد العظم([1])

الشاعر المتفنن المرحوم محمد الأسعد العظم الحموي

أصله ونشأته: هو المرحوم محمد بن أسعد بن أحمد بن مصطفى العظم، ولد في مدينة حماة سنة 1876م، وتربى في مهد الفضائل والكمال، وقرأ الفقه والأدب على العالم الأصولي الحجة المرحوم الشيخ علي الدلال، فاستفاد منه فقهاً وأصولاً وأدباً، ورث الروح الشعرية الطروبة عن أبيه فكان من أعلام الأدب في حماة ومن صدور مجالسها، كان المرحوم والده صاحب ديوان ومن المكثرين في نظم القوافي، أما هو فكان من المقلين من نظمه، وله ذوق عجيب فيه، وحافظة لعيونه ندر أن توجد في غيره، فكان راوية لا تكاد تحدث أمامه نكتة يتندر بها أو أمر من الأمور إلا استشهد له من حفظه، وكان هزار المجالس، قوي الحجة والعارضة، فصيح اللسان، أدبياً في اللغتين العربية والتركية، تولى ديوان الرسائل في حماة وحمص في عهد الحكومتين التركية والعربية، ومن أبرز صفاته كثرة الاستشهاد في المجلس بالشعر والحديث وكلام العلماء، وكان محيطاً بما ورد في تاريخ وفيات الأعيان من أدب وشعر، حسن التصرف فيما يحفظ.

وكان شعره الديباجة ينحو به منحى أبيه، ولا ينظم من الشعر إلا ما يحوي معنى غريباً جميلاً، ومن الطريف أن بعض أصدقائه وذويه عيره بكثرة خوفه، فاعتذر عن الجبن اعتذاراً لم يسبق إليه حين قال:

يعيرني قومي بأني جبانهم

وما أنا بالروح العزيزة ذو ضن

ولكن رأيت الجبن للعز حافظا

كما بات في هون أخو البطش في السجن

وهو اعتذار في الحقيقة غير مقبول، ولكن المعتبر في الشعر الفن لا الحقائق.

وعمد إلى بيت أبي العلاء المعري فحوله من الذم إلى المدح حين قال:

قالوا فلان جيد فأجيبهم

من دون (نورس) ليس يوجد أمجد

علم الأعاظم والسراة فبعده

لا تكذبوا ما في البرية جيد

ويعني بذلك المرحوم نورس أفندي الكيلاني وشمائله القادرية أكبر من أن توصف.

ورأى الأديب والشاعر المبدع الأستاذ إبراهيم العظم وبيده كتاب أبي الطيب فقال يا ابن أخي:

ومن كان الخيال له رفيقا

تعود أن يعيش به فقيرا

ولم أقع على شعر له في الغزل، ولعمري من كان مثله بليغاً فصيحاً لا يمتنع عليه غزل أو نسيب، إلا أن ولعه بالعلوم الشرعية قلل من إكثاره من النظم لاختلاف الوجهتين.

وعاتب الأستاذ إبراهيم العظم على تقصيره في زيارته وهو ابن أخيه، فقال متمثلاً، والشعر من شعر المتقدمين:

ما ناصحتك خبايا الود من رجل

ما لم ينلك بمكروه من العذل

مودتي لك تأبى أن تناصحني

بأن أراك على شيء من الزلل

عهده في حمص: وأشغل الفقيد رحمه الله مديرية الرسائل في محافظة حمص، فكان كالهالة من القمر بين أدباء حمص وفضلائها، يتهادون مجلسه للاستمتاع بأدبه وأنسه وطرائف نوادره، يهوى السماع والأصوات الجميلة، وكان ذلك متوفراً له في حمص التي أنجبت من الفنانين ما عزّ نظيرهم في البلاد السورية، وكان هزار الأنس يداعب الحمصيين تلك الدعابة الأزلية الموروثة في التنكيت فيصليهم ناراً ويلسعهم بنكاته البديعة فيرون فيها برداً وسلاماً وبلسماً لأفئدتهم من أكرم عنصر تجلّت في روحه المرحة حب الدعابة والأنس.

وفاته: وفي يوم الخميس في الخامس من شهر ذي الحجة سنة (1357) هجرية و26 كانون الثاني سنة 1939 ميلادية وافاه الأجل المحتوم، وقد رثاه الشاعر المجيد الأستاذ إبراهيم العظم فقال:

رزئنا بك الدنيا على حين غرّة

فلا كانت الدنيا مناخاً ولا كنا

وهان علينا في مصابك أن ترى

عظام الرزايا لا نقيم لها وزنا

بكتك من الآداب عين حزينة

لها منك خبر إن يفه أخرس اللسنا

فبشرى لك التاريخ في حب أحمد

محمد نلت القرب أنعم به عينا

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

*  *  *

 



([1])  (أ) (1/190 ـ 191).

الأعلام