محمد بدر الدين الكيلاني
محمد بدر الدين الكيلاني([1])
(1875 ـ 1920م)
مولده ونشأته:هو أحد أعلام مدينة حماة وفقيهها وزعيمها، وأحد أركان المؤسسين لعهد الاستقلال العربي في سوريا في عهد الملك فيصل، ولد في حماة عام 1292ﻫ ـ 1875م من والده عبد الجبار الكيلاني أحد أحفاد علامة العراق الشيخ عبد القادر الجيلاني مجدد مذهب أحمد بن حنبل ومؤسس الطريقة القادرية المعروفة، نشأ في مهد العز والعلم والفضائل، وتلقى دراسته في المكتب الإعدادي الرسمي بحماة وتخرج منه، ثم أخذ العلوم العربية عن أعلام حماة في عصره، منهم: الشيخ سعيد النعسان، والشيخ محمد طربين، والشيخ عبد القادر الفتوحي الجندي، واستحصل منهم على شهادات في دراسة اللغة والفقه والأدب والمنطق.
في خدمة الدولة: خدم في بعض وظائف الدولة من سنة 1897م إلى سنة 1906م، ثم استقال من الوظيفة، ثم انتخب عن حماة ممثلاً لها في مجلس عموم الولاية السورية بدمشق، وفي سنة 1907م عهد إليه بالإفتاء إثر الانقلاب العثماني، وقد منح ثلاث رتب دينية، ولبث مفتياً لحماة حتى أواخر الحرب العالمية الأولى وانسحاب الأتراك، ولما شغرت مدينة حماة وأجمعت المدينة على انتخابه رئيساً لحكومتها المؤقتة، ودخل الملك فيصل الأول حماة؛ عهد إليه برئاسة الحكومة العربية فيها، ورفع راية الاستقلال العربي على دار الحكومة بيده باحتفال مهيب، ولبث محافظاً لحماة مدة ستة شهور، ثم عين بعدها عضواً عن حماة في مجلس شورى الدولة بدمشق، ولبث فيها حتى وافته المنية.
وطنيته: كان رحمه الله شجاعاً جريئاً، متصلباً بمواقفه حيال المستعمرين، موثوقاً من الملك فيصل الأول، وعلى صلة به وبالثورة العربية منذ ابتدائها بصورة مكتومة، ومن مواقفه الشهيرة رفضه بكل جرأة طلب إنشاء ماخور للجيش البريطاني بحماة، وأجاب الجنرال اللنبي القائد البريطاني بلغة صارمة خطورة هذا المشروع المخل بالأمن، وأن الحمويين ليسوا مسؤولين عن كل اعتداء يقع على جنودهم في حال تحرشهم بالحمويات، فسحب القائد المنتصر اقتراحه.
لقد كان يكره الاستعمار والمستعمرين، وقد ذهب لبيروت للتداوي أثناء مرضه الذي مات فيه، فعلم الجنرال غورو القائد الفرنسي في لبنان خبر قدومه لبيروت، فحاول الاجتماع به لشراء ضميره، فلما علم من صاحب الفندق أن شرطيًّا للجنرال سأل عنه؛ هرب ليلاً فنام في مكان مجهول، وعاد في الصباح إلى حماة، وذلك كيما يلوث وطنيته بتلك المقابلة مع رسول الاستعمار الفرنسي، نروي هذه الحادثة للتاريخ لتكون عبرة وذكرى وعظة لبعض أنداده من العلماء الذين كانوا يتسابقون للاجتماع برسل الاستعمار، والتملق في أعتابهم حيث كانوا عيوناً للمستعمرين على أبناء وطنهم، فرحم الله صاحب هذه الترجمة بعدد حسناته، وخزى من والى المستعمرين.
أدبه: كان متضلعاً في العلوم والآداب، شاعراً وناثراً ألمعيًّا، جادت قريحته بنظم القوافي في مواضيع شتى، ومن شعره الغزلي قوله:
يقول لي العذول وقد رآني | نحيف الجسم مكتئباً عليلا |
أتسلو يا معنى قلت أسلو | عن الدنيا ولكن عن علي لا |
ومن شعره في رثاء صديق كان يؤمل منه الخير لخدمة أمته، فقال يبكيه:
ظبا الموت هل تنبوا إذا ثلم النصل | وهل للردى عن صوب مقصده عدل |
لحى الله دهراً حرم الأهل أنسهم | وأفقدهم من لذة العيش ما يحلو |
تفرق شمل الصحب بعد فراقه | وليس لهم من بعد تفريقهم شمل |
تأملت أن يبقى ليرفع أمة | إلى سدرة العرفان فانصرم الحبل |
تأملت أن يبقى لينفع أمة | بها ضاقت الأحوال وانسدت السبل |
أبى الله إلا أن ينفذ حكمه | بموت البرايا أمره مبرم فصل |
صفاته: كان رحمه الله شهماً فاضلاً كريماً متواضعاً، بعيداً عن الأنانية وحب الذات، عاش مخلصاً لحماة فرفعته زعيماً لها، وأجمعت على تقديره واحترامه، فكان هو المفاوض باسم حماة لدى لجنة الاستفتاء الأمريكية المعروفة بلجنة (كراين) حيث أصر على رفض الانتداب والتمسك بالاستقلال العربي التام، ومن مواقفه النبيلة المشهورة ما دفع به كثير من الأذى عن حماة أيام الحرب العالمية الأولى وبعدها مستغلاً مكانته الرفيعة لخدمة الشعب لا لنفسه.
وفاته: وفي يوم الأربعاء الموافق 17 شعبان 1338م وغرة مايس سنة 1920م وافته المنية، وذلك قبيل الاحتلال الفرنسي للبلاد السورية، وشيعت حماة جثمانه بمأتم شعبي حافل، ودفن بمقبرة الأسرة الكيلانية وأبنه على القبر كثير من شعراء حماة، وتوارى عن الحياة علماً من أعلام العروبة بفضله ومآثره وأخلاقه وكرمه، فقد عاش مديناً ومات مديناً، فلم تكف مخلفاته لتسديد ما تركه من ديون أنفقها في سبيل قوميته العربية، ومن ذريته ولده الأديب الفاضل الأستاذ محمود البدر.
* * *